لا أحد يملك إجابة محددة عن هذا السؤال، كما لا يستطيع أحد التكهن بالوقت الزمني الذي تستغرقه الحرب الحالية، خصوصاً أن سيناريوات امتدادها إلى دول مجاورة لا تزال مطروحة بعدما انقسم المجتمع الدولي ما بين مؤيدٍ لإسرائيل بالدفاع عن نفسها أو بالأحرى أن تفعل ما تشاء بدعوى الحفاظ على أمنها، وما بين من يريد أن يحافظ على ما تبقى من فلسطين والفلسطينيين، فضلاً عن الدول المجاورة المتضررة من خطة التهجير التي أعدتها إسرائيل، وهنا نتحدث عن مصر والأردن.
ورغم ما سبق ذكره، إلا أنّ المؤشرات تتجه إلى نهاية قريبة للحرب لا للصراع، فالأخير سيدوم وقتاً طويلاً، لكن ستصمت قاذفات الصواريخ الإسرائيلية ولن نرى رشقات صاروخية على تل أبيب على الأقل في الوقت الحالي؛ بخاصة أن المجتمع الدولي بدأ يضغط بصورة أكبر على إسرائيل، ليس من أجل الفلسطينيين ولكن من أجل أمن إسرائيل! فقد أصبحت الدول الكبرى مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا تُدرك أن إسرائيل باتت تعمل ضد نفسها، وأنها لن تحقق من المعركة العسكرية التي دخلت شهرها الثالث أي مكاسب تُذكر.
الولايات المتحدة لا ترغب في استمرار الحرب على غزة وقتاً أطول من ذلك، ولعلها في السابق ضغطت على الحكومة الإسرائيلية من أجل قبول صفقة تبادل الأسرى التي حملت في طياتها هدنة تكتيكية، كما ذكرت إسرائيل، ورؤية واشنطن أنّ إسرائيل لن تستطيع أن تُحقق في هذه الحرب أي إنجاز يتعلق بالقضاء على “حماس” أو حتى تحرير الأسرى الإسرائيليين، والحرب وقتها لم تستغرق يومها الخمسين، أي لم تتعد الشهر الثاني.
نصحت الاستخبارات المركزية الأميركية إسرائيل بالدخول في تفاوض تُحقق من خلاله أهدافها أو جزءاً منها، صحيح أنّ إسرائيل استجابت جزئياً بقبول صفقة تبادل أسرى ووقف جزئي لإطلاق النّار، وليست هدنة للسلام، فالأخيرة لا تعرف للسلام طريقاً من واقع سلوكها الأخير في غزة؛ وجهة نظر الأميركيين تكونت من واقع رؤية عسكرية دقيقة عن حجم القدرات العسكرية لإسرائيل ولـ”حماس” في الوقت نفسه، بخاصة أن ضباطاً رفيعي المستوى من الجيش الأميركي زاروا إسرائيل للاطلاع على مسرح العمليات العسكرية وتقديم نصائحهم، كما صرح بذلك البيت الأبيض.
إسرائيل لم تتخيل حجم الهزيمة والانكسار اللذين تعرضت لهما في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وتسعى لتحقيق أي انتصار أو على الأقل تحفظ هيبة جيشها، كما أنّ هذه الرغبة لا تزال تُراود السياسيين الإسرائيليين، وبخاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي انتهى مستقبله السياسي على يد “حماس”، والاعتقاد السائد هو بمحاسبته على التقصير في الحفاظ على أمن بلاده، وهو سبب آخر يدفعه إلى إطالة أمد المعركة، ما يتلامس مع رؤية المؤسسة العسكرية في إسرائيل.
كل هذه الأسباب تفهمها واشنطن جيداً ولكنها لا تتفهمها، ومن هنا يأتي الضغط لإسقاط حكومة نتنياهو وإحراجها، كما أنها تضغط عليها من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفي اعتقادي أن الخطوة التي اتخذها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة عندما نبه مجلس الأمن الدولي في رسالة رسمية من أن استمرار الحرب على غزة يُهدد الأمن والسلم الدوليين، أنه تم بمشاورة أميركية أو أن الأخيرة دفعت في هذا الاتجاه.
وهدف واشنطن من ذلك كما ذكرنا حماية أمن إسرائيل أو وقف الحرب، التي تعني مزيداً من الخسائر للحليف الاستراتيجي! صحيح أن واشنطن ستستخدم حق النقض في مجلس الأمن ضد قرار وقف إطلاق النّار، لأنها لن تفعل غير ذلك لمصلحة حليفتها، ولكنها تحاول أن تُحاصرها في خانة إنهاء الحرب والقبول بصفقة تبادل تُنهي من خلالها ملف الأسرى الإسرائيليين، ووجهة نظر الأميركيين أنّ دور إسرائيل يأتي بعد إنهاء الحرب في ما يتعلق بمواجهة “حماس” وبحث مستقبل قطاع غزة وليس في المعركة العسكرية.
وضعت واشنطن مقترحات لإسرائيل بعد انتهاء الحرب، تتمثل في إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح أو وجود قوات دولية، سواء عربية أم من الناتو، لحفظ أمن إسرائيل أو إعطاء الضوء الأخضر للسلطة الفلسطينية كبديل لحركة “حماس” في غزة أو إقامة منطقة عازلة، أو التعامل مع كل هذه المقترحات جميعاً مقابل الاتجاه إلى نوع آخر من الصراع ولكن بعد وقف الحرب.
الحرب لن تستمر أكثر من ثلاثة أسابيع مقبلة، وإذا استمرت فسيؤثر ذلك على توازن إسرائيل العسكري وربما يصب في مصلحة “حماس” والتعاطف الدولي مع قضيتها، ولذلك الاتجاه هو إلى وقف الحرب أو تبريد الوضع لإتمام صفقة التبادل الكبرى؛ وفي تقديري أن كل طرف من طرفي الصراع يتجهز لإعلان انتصاره في هذه الحرب التي يخرج منها الطرفان إسرائيل و”حماس”، رابحاً خاسراً أو خاسراً رابحاً. صحيح ثمة نسب للربح والخسارة ولكن المعركة لم تنته بعد حتى يمكن وصف أحد الطرفين بأنه ربح المعركة بمنطق الربح والخسارة المرتبط بالنسب المئوية.
ثمة اتجاه دولي لحصار إسرائيل سياسياً ودبلوماسياً، وقد يصل إلى حصارها عسكرياً وإن كنت لا أتوقع ذلك على المدى القريب، والهدف ليس التخلي عن إسرائيل ولكن الضغط عليها من أجل وقف الحرب وتقليل نزيف خسائرها البشرية وخسارتها على المستوى الدولي والشعبي العالمي، فضلاً عن خسارة داعميها وبخاصة واشنطن التي باتت ترى إسرائيل عبئاً بسياستها العسكرية الحالية.
لن يتخلى المجتمع الدولي عن إسرائيل ولكنه يدفع في اتجاه تخليها عن الاستمرار في الحرب؛ بخاصة أنّ واشنطن وحلفاءها يُدركون أن تل أبيب لن تصل إلى أسراها ولن تُحررهم إلا بالتفاوض مع يحيى السنوار، مسؤول “حماس” في قطاع غزة وليس بتصريحات محاصرة منزله أو التوعد بقتله في معركة وصفها كل المحللين العسكرين بأنها مغامرة إسرائيلية.
ولكن المجتمع الدولي لن يسمح لإسرائيل بتورطها في معركة يعلم مسبقاً الخاسر فيها، ولن يدفع هذا المجتمع ضريبة الهزيمة العسكرية عن إسرائيل أمام “حماس” لو استمرت الحرب وقتاً أطول.
منير اديب، النهار العربي