مقالات

الإعلان الدستوري كأداة إقصاء: مسؤولية الحكومة المؤقتة في دمشق عن انتهاك اتفاق 10 آذار 2025

مشاركة

خالد حسو

منذ إعلان الإعلان الدستوري المؤقت في دمشق، أصبح من الواضح أن المرحلة الانتقالية القائمة لا ترتكز على أسس العدالة والمواطنة المتساوية، بل على إعادة إنتاج سياسة الإقصاء السياسي والقومي تحت غطاء دستوري جديد.

فقد شكّل الإعلان الدستوري إطارًا يكرّس السلطة الواحدة للطيف السياسي المسيطر، مع تهميش واضح لكل المكونات السورية، وفي مقدمتها الشعب الكوردي.

إن اشتراط أن يكون رئيس الجمهورية مسلمًا، ومنح رئيس المرحلة الانتقالية صلاحيات شبه مطلقة، يمثل انتهاكًا صارخًا للقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويتعارض مع الالتزامات الدولية لسوريا، بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يحظر التمييز على أساس الدين أو القومية، مما يجعل الإعلان الدستوري فاقدًا للشرعية القانونية والسياسية.

برغم التحفظات المشروعة على عدد من بنود اتفاق 10 آذار 2025 والغموض الذي يكتنف بعض المطالب الكردية المتعلقة بالاعتراف الدستوري بالقومية الكوردية وحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره، وطبيعة نظام الحكم وصيغة الدستور وإقرار نظام فدرالي ديمقراطي يضمن الشراكة الحقيقية، فإن الاتفاق شكّل، من حيث المبدأ، التزامًا سياسيًا وقانونيًا كان يفترض أن يفتح الباب أمام مرحلة انتقالية قائمة على الثقة المتبادلة واحترام الحقوق.

إلا أن الواقع العملي منذ توقيع الاتفاق أظهر أن الحكومة المؤقتة في دمشق لم تلتزم بروح الاتفاق، بل تعاملت معه بانتقائية صارخة، بحيث طُبّق فقط ما يخدم أجندتها وأجندة القوى الإقليمية الداعمة، بينما تم تجاهل البنود المتعلقة بالتمثيل السياسي وحقوق المكونات ووقف العنف.

في المجال السياسي، انتهكت الحكومة المؤقتة التزاماتها المتعلقة بالتمثيل والمشاركة الوطنية الشاملة، من خلال عقد “مؤتمر الحوار الوطني” أحادي الجانب، وإصدار إعلان دستوري يمنح رئيس المرحلة الانتقالية سلطات شبه مطلقة، وإجراء انتخابات شكلية أنتجت برلمانًا يفتقر إلى الشرعية التمثيلية، بينما شهدت البلاد تصاعدًا في خطاب الكراهية والعنف في مناطق عدة.

أما فيما يتعلق بالحقوق القومية للشعب الكوردي، فقد فشل الإعلان الدستوري في ترجمة النصوص الداعمة لوجود الكورد في الدولة إلى اعتراف دستوري أو تمثيل سياسي حقيقي، حيث لم يتم توفير أي مقاعد للكرد في الحكومة أو البرلمان أو وزارة الخارجية، ولا توجد ضمانات لأي حقوق قومية أو لغوية أو ثقافية، في حين استمرت سياسات الإنكار التاريخية وانتهاك حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره.

على صعيد وقف إطلاق النار، لم تُحقق الحكومة المؤقتة أي تقدم يُذكر، مع استمرار الهجمات على مناطق مثل سد تشرين وأحياء الشيخ مقصود والأشرفية، بالإضافة إلى اعتداءات على العلويين والدروز في مناطق عدة، ما يعكس إخلالًا جوهريًا بالالتزام بوقف العنف.

أما بالنسبة لدمج المؤسسات في شمال وشرق سوريا، فقد كان هذا البند هو الوحيد الذي نُفذ بدعم إقليمي مباشر، بينما تُركت البنود المتعلقة بالحقوق والتمثيل ووقف العنف دون تطبيق، مما يعكس انتقائية واضحة في التنفيذ واستهدافًا لأجندة سياسية محددة.

وفيما يخص عودة المهجّرين وملف عفرين، لم تُتخذ أي خطوات جدية لإعادة السكان، ولا تزال الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا تحتل المنطقة وتواصل أعمال السلب والنهب والخطف والقتل خارج إطار القانون، دون أي مساءلة رسمية من الحكومة المؤقتة، وهو ما يشكل خرقًا صارخًا للسيادة السورية والقانون الدولي الإنساني.

كما يمثل التواجد العسكري التركي في شمال سوريا احتلالًا فعليًا، مع تحكّم واضح في القرار السياسي والعسكري للحكومة المؤقتة، حيث تفرض تركيا أجندتها الأمنية والسياسية وتتحكم في مسار تنفيذ الاتفاق، بينما تُهمّش البنود المتعلقة بحقوق الشعب الكوردي وبقية المكونات.

في سياق خطاب الكراهية والتحريض، رغم النصوص الواضحة على رفض مثل هذا الخطاب، يستمر الإعلام التابع للحكومة المؤقتة وحاضنتها الاجتماعية في التحريض ضد الكرد والعرب التابعين لقسد، إضافة إلى العلويين والدروز، دون أي مساءلة قانونية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للسلم الأهلي.

كما يبرز غياب الشفافية في متابعة تنفيذ الاتفاق، حيث لم تصدر أي تقارير رسمية توضح ما تم تنفيذه أو تعطيله من بنوده، وهو ما يؤكد عدم التزام الحكومة المؤقتة بالقانون أو الالتزامات السياسية.

بناءً على كل هذه المعطيات، يتضح أن الحكومة المؤقتة في دمشق مسؤولة عن انتهاك اتفاق 10 آذار 2025 من خلال الإقصاء الدستوري، وعدم تمثيل المكونات، واستمرار خطاب الكراهية، والتواطؤ مع الاحتلال التركي في شمال سوريا، وترك الجرائم والانتهاكات دون مساءلة.

أي انتقال سياسي حقيقي في سوريا لا يمكن أن يُبنى على دستور إقصائي وسلطة أحادية وانتهاك حقوق الشعب الكوردي وبقية المكونات، إذ إن السلام الدائم يقوم على العدالة والمساواة واعتراف الدولة بحقوق جميع المواطنين، وليس على الانتقائية أو التهميش أو الاحتلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى