الإخوان المسلمون جماعة براغماتية، قادتها ليسوا الأكثر ذكاءً وإن كانوا الأكثر دهاءً بين غيرهم؛ صحيح نجحوا في أن يُحافظوا على تنظيمهم لأكثر من تسعة عقود، لكنهم فشلوا بالنهاية في أن يستمروا في الحفاظ عليه.
الإخوان هم الجماعة الأكثر مكرًا بين غيرهم، لذلك عاشوا كثيرًا بين النّاس فأخذوا وقتًا في فهمهم وكشف حقيقتهم؛ فهم الجماعة الوحيدة التي ينطبق عليها كل شيء؛ فتارة تُقدم نفسها على أنها جماعة دعوية وتارة أخرى تتبرأ من هذا الوصف وتميل إلى كونها حركة سياسية، وتارة تُكشر عن أنيابها وتصف نفسها بأنها حركة مجاهدة منحازة للعنف، ومن هنا يجتمع حولها الأنصار من كل الفئات والأهواء.
نجحت الإخوان في صناعة شعبية وأرضية لها وبات لها أتباع لكنهم غثاء كغثاء السيل لا قيمة لهم، يجتمعون حول التنظيم، لكنهم سرعان ما يفترقون عنه وعليه سريعًا، فهم الأكثر براعة في استخدام سلاح المكر والخداع لجمع الأنصار حولهم، وهذا أكثر ما يميز العقل الإخواني.
وصل الإخوان إلى سدة الحكم في عدد من الدول العربية لكن على قدر وصولهم للقمة على قدر انزلاقهم للقاع، لأنهم لم يصعدوا على أسس سليمة، نحن نتحدث عن تنظيم صاحب جسد ضخم، لكنه في الوقت نفسه تنظيم يفقد القدرة على الحركة وغابت عنه الحيوية، يُكررون أنفسهم ويقعون في أخطاء الماضي، لأنهم يشعرون بتضخم الذات والتنظيم، وتلك آفة أخرى.
تُدرك عند قراءة تاريخ الإخوان القديم، أن اللاحقين يُكررون ما صنعه السابقون، ومن هنا يمكن توقع سلوكهم، ليس فقط من منطلق القراءة الدقيقة للتاريخ، لكن من فهم عقل التنظيم الحالم، وتلك أزمة تعيشها كل جماعات العنف والتطرف، كونها منفصلة عن الواقع.
الإخوان يعيشون على الأرض لكنهم يُحلقون في عالم قد صنعوه بأنفسهم، لذلك تكتشف أن مسلمات التنظيم متغيرات، بينما يتعاملون مع المتغيرات على أنها مسلمات، لا يؤمنون بالآخر، بل لا يرونه، وإذا أتيحت لهم الفرصة فقد يستبدون به؛ هذا على مستوى الأشخاص والأفكار معًا.
دهاء ومكر التنظيم أو محصلة عقل الإخوان، أحد أسرار وجوده طيلة العقود الماضية، فتحت هذا العنوان، نجحوا في إقناع البعض بعدم وجود علاقة تربطهم بالعنف؛ وأنهم يتقبلون الآخر ويتعايشون مع أفكاره، فحاولوا أن يستفيدوا من الليبرالية التي ينتقدونها أو يقفون أمامها، بدعوى أنهم يمثلون الحقيقة التي يُريدون أن يفرضوها على النّاس.
ربما هناك تنظيمات أكثر صدامًا من الإخوان أو أنهم منحازون لاستخدام العنف بصورة واضحة لا جدال فيها؛ هذه التنظيمات افتقدت الشعبية التي نجح الإخوان في صناعتها بالمكر والخداع؛ وهذا تفسير لانصراف النّاس عنهم (الإخوان) سريعًا على الأقل في العقد الأخير، بعدما ظهروا على حقيقتهم، بعد أن اقتربوا من السلطة قليلًا.
عقل الإخوان وكل المؤدلجين ضيق الأفق لا يسع الأفكار العميقة أو المتحررة، كما أنه عقل صلب جامد لا يسمح بالنقاش ولا يُرحب بالتعددية، كما أنه أميل إلى تكفير الآخرين، صحيح لا يستخدم عقل الإخوان لفظة التكفير بصورة دائمة، لكنّ منهج التكفير يحكم تفكير هذا العقل.
ولذلك دائمًا تجد الشباب هم القوة الضاربة في تنظيم الإخوان، ليس لأنه تنظيم يتمتع بالحيوية والشباب، لكن لأن التنظيم نجح في التأثير على هؤلاء الشباب المراهقين، فأغلبهم ليست لهم خبرة في الحياة وغير قادرين على فهم الأفكار أو تمييزها، لذلك من المهم فهم تأثير هذا العقل على السن الصغيرة من الشباب وإمكانية الوقوف أمام عوامل التأثير هذه.
الإخوان يمتلكون قدرًا من الجمود هو المسؤول في حقيقة الأمر عن تطرف التنظيمات الإسلاموية؛ فعلى أفكار الإخوان نشأت أغلب الجماعات الدينية الراديكالية، فالإخوان هم الأقدم في النشأة والأكثر تأثيرًا فيمن جاء بعدهم من تنظيمات متطرفة؛ وهنا لا بد من تكثيف الجهود على تفكيك عقل الإخوان بوجه خاص، بعدها سوف تتفكك أي أفكار تمثل باقي الجماعات المتطرفة.
عقل الإخوان السياسي والفقهي يتبنى خيارات ضيقة على مستوى منهج التفكير وفيما يتعلق بطبيعة هذه الخيارات، ما يسعه الشرع والعقل، وهو ما يؤكد على ضيق الأفق وانغلاق التفكير وجمود الفكر، هذه صفات يتمتع بها عقل الإخوان المؤدلج مثله مثل نظرائهم في كل التنظيمات الإسلاموية، لا فرق إلا في مستوى الانغلاق فقط.
عقل الإخوان يميل دائمًا إلى الكراهية والانتقام ومنحاز دائمًا إلى العنف؛ فلا يمكن أن نعزل هذا العقل عن سياقه ولا عن أولوياته؛ فصياغة العقل هي المهمة الأولى بالنسبة للعضو الجديد في التنظيم، فيتم تحديد مدخلات هذا العقل سواء على المستوى الشرعي والفقهي أو على المستوى البنيوي، بحيث يُصبح ولاء العضو الجديد أولًا للتنظيم وليس للدولة، لمرشد الإخوان وليس للرئيس، وهذه آفة هذا العقل.
عقل الإخوان مليء بالأورام السرطانية التي تُصدر الموت لباقي الجسد؛ فأزمة الإخوان في العقل وخطر التنظيم فيما يحتويه هذا العقل، ولا بد أن تكون طريقة مواجهة التنظيم من خلال تفكيك هذا العقل من مقولاته المؤسسة التي باتت هي الأخطر على الحياة.
لا بد من فهم عقل الإخوان، وهذا الفهم يستلزم قراءة دقيقة لمدخلات العقل ومن ثم مخرجاته المتوقعة؛ هذه مقدمة لا بد منها لتفكيك العقل، فلا يمكن مواجهة التنظيمات المتطرفة والوقوف أمام عبث الإخوان الفكري إلا من خلال العقل والعقل وحده، لذلك لا بد أن تنصب دراسات الباحثين وقراءتهم على هذه المساحة المهمة.
فهم عقل الإخوان هو البوابة الأهم في المواجهة والطريق الذي لا بد أن تسير فيه كل صوره، خاصة الفكرية، والابتعاد عن هذا المسار لا محصلة له، بل سيُزيد الطامة ويؤدي إلى مزيد من الانتشار للجماعات المتطرفة، لذلك لا بد أن يكون فهم عقل الإخوان هدفًا ومن ثم تفكيك هذا العقل عبر هذا الهدف.