تحركت تركيا لملء فراغ إستراتيجي كبير في النيجر بعد انسحاب غربي من البلاد كان أساسه قوة الاستعمار القديمة فرنسا بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وذلك بعد طلب نيامي من القوتين الغربيتين سحب قواتهما العسكرية.
وقاد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وفدا رفيع المستوى ضم وزيريْ الدفاع يشار غولر والطاقة ألب أرسلان بيرقدار، بالإضافة إلى رئيس جهاز المخابرات إبراهيم قالن، حيث أجرى اجتماعا مع رئيس المجلس العسكري عبدالرحمن تشياني قالت مصادر غربية إنه خصص لبحث الوضع في منطقة الساحل، ودراسة إمكانيات حصول تركيا على اليورانيوم بشكل مباشر لتأمين صناعتها النووية الناشئة. كما التقى الوفد برئيس الوزراء علي لامين زين.
ونقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء عن مصادر مطلعة، طلبت عدم الكشف عن هويتها بدعوى أنه غير مخول لها التحدث إلى سائل الإعلام، قولها إن الوفد التركي يسعى إلى الاستفادة من إمدادات النيجر من اليورانيوم لتوفير الوقود لصناعة الطاقة النووية الناشئة في تركيا.
وكانت تركيا تتزود بالوقود النووي من اليورانيوم من شركات كندية وفرنسية، لكن تردي العلاقات بين النيجر والغرب أدى إلى خروج تلك الشركات.
وأنهت النيجر ترخيص استخراج اليورانيوم وتشغيله الممنوح لشركة الطاقة النووية الفرنسية “أورانو” التابعة للدولة. وذكر بيان أصدرته أورانو في يونيو الماضي أن الحكومة العسكرية في النيجر أنهت رخصة تشغيل منجم إيمورارين لليورانيوم في شمال البلاد.
ويعتبر إيمورارين أحد أهم رواسب اليورانيوم في العالم، حيث يبلغ احتياطيه نحو 200 ألف طن. وعلقت أورانو عملياتها عندما انهار سوق اليورانيوم بعد كارثة فوكوشيما النووية في اليابان عام 2011.
وفي 2015 خططت الشركة الفرنسية لتشغيل المخزون دون الشروع في الإنتاج.
غير أن الحكومة العسكرية حذرت من سحب رخصة تشغيل الشركة إذا لم تبدأ عمليات التعدين في الحقل المعني خلال ثلاثة أشهر، ابتداء من مارس الماضي.
ورغم أن الشركة الفرنسية بدأت الاستعدادات الميدانية لبدء الإنتاج في 4 يونيو، استجابة لطلب حكومة النيجر، إلا أن وزارة التعدين قالت في رسالة أرسلتها إلى الشركة إن “التطورات لم تكن على مستوى التوقعات”.
وتعاني النيجر من حالات جفاف متكررة وفقر شديد وهي تراهن على زيادة عمليات التنقيب عن اليورانيوم، حيث تعتبر منتجا مهما لهذه المادة إذ تحتل احتياطاتها منها المرتبة الأولى عالميا، بالإضافة إلى الذهب والنفط.
كما حضر الاجتماع رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التابعة للرئاسة التركية خلوق غورغون، وأوزغور فولكان آغار مساعد وزير التجارة.
وذكر مصدر غربي مطلع أن الوفد التركي قدم إلى النيجر عروضا واسعة للتسلح والتنسيق الإستراتيجي المشترك، وقد وفر خلوق غورغون تفاصيل فنية كثيرة للمسؤولين العسكريين في النيجر، وخصوصا ما تعلق بتزويد نيامي بالطائرات المسيرة للاستطلاع أو الهجوم، لاسيما أن الجيش النيجري يراهن على توظيف هذه التقنيات في مواجهة فصائل جهادية تنتشر في منطقة الصحراء مترامية الأطراف.
ويعتبر قادة النيجر العسكريون، الذين قادوا انقلابا على الرئيس الموالي للغرب محمد بازوم، أن القوات الفرنسية والأميركية تساهلت إلى حد كبير في مواجهة الجهاديين، وأن هذا ما دفعهم إلى طلب مغادرتها.
وأطلق الانسحاب الفرنسي واقتراب استكمال الانسحاب الأميركي تسابقا بين قوى عالمية كبرى، وخصوصا روسيا والصين وإيران، لملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الفرنسي والأميركي. لكن يبدو أن تركيا ترى نفسها مؤهلة أكثر من غيرها بحكم عوامل دينية تاريخية وتواجد تركي عبر الجمعيات الإسلامية الخيرية في المنطقة.
ومع بداية الأزمة التي وقعت في النيجر بسبب انقلاب 26 يوليو 2023 وقفت تركيا ضد التدخل العسكري الذي أعلنته المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).
وكانت تركيا قد مهدت لهذه التحركات بنشر قوات لها في النيجر. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان في مايو الماضي أن الدفعة الثانية من المسلحين السوريين من فصائل “الجيش الوطني” الموالي لأنقرة، وتضم 250 عنصرا، انطلقت السبت إلى تركيا تمهيدا للمغادرة إلى النيجر.
وحسب المرصد، فإن هؤلاء من فصيل “فرقة السلطان مراد” سينضمون إلى الدفعة الأولى التي غادرت في 20 أبريل، وبذلك يصل العدد إلى 550 عنصرا. ولم تنف تركيا والنيجر هذه الأنباء، وهو ما يؤكد صحتها.
ووفقا للصحافة المحلية في النيجر تسعى أنقرة لإقامة قاعدة عسكرية تركية في منطقة أغاديس شمال النيجر ذات الموقع الجغرافي الإستراتيجي، حيث تقع على تماس مع تشاد وليبيا والجزائر.
ويعتبر إقليم أغاديس مركزا لمناجم اليورانيوم تسعى السلطات في نيامي للسيطرة عليه وحمايته من هجمات المتمردين والحركات المسلّحة.
المصدر: صحيفة العرب اللندنية