crossorigin="anonymous"> “الإخوان” والانتخابات الرئاسية في مصر – xeber24.net

“الإخوان” والانتخابات الرئاسية في مصر

مشاركة

بقلم: منير أديب
نشطت جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر خلال الفترة الأخيرة على خلفية الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل. توزع هذا النشاط ما بين محاولة تشويه النظام السياسي الحالي، والدعاية لأحد المرشحين المحتملين في هذه الانتخابات، والذي سبق ودافع عن “الإخوان”، واعداً إيّاهم بالعودة إلى الحياة السياسية من جديد، رغم الجرائم التي ارتكبوها!

تركّز نشاط “الإخوان” حتى هذه اللحظة في الفضاء الإلكتروني؛ هدفه إسقاط النظام السياسي وتحديداً الرئيس عبد الفتاح السيسي، باعتباره مرشحاً محتملاً في هذه الانتخابات؛ فمواجهته للتنظيم بعد العام 2013 فاق خيالات قادته، الذين دخلوا في صراع عسكري مع الدولة من خلال ميليشيات التنظيم المسلّحة، فضلاً عن تحريضهم الدائم والمستمر ضدّه وضدّ مؤسسات الدولة، وهذه خلفية نفسية ربما تُحرّك التنظيم نحو شن حملة انتقامية ضدّ النظام والرئيس، لن تنتهي بانتهاء هذه الانتخابات بعد شهور قليلة.

الانتخابات الرئاسية الحالية هي فرصة ذهبية لـ”الإخوان”، يبذلون فيها قصارى جهدهم بهدف التخلّص من النظام السياسي الذي نجح في تفكيك جزء كبير من التنظيم، والانتقام من هذا النظام الذي عاقب الجماعة على الجرائم التي ارتكبها في حق الدولة والمواطن المصري.

ولعلّ التصريحات التي أدلى بها د. حلمي الجزار في حواره مع إحدى منصّات “الإخوان” الإعلامية، دليلٌ على نيّة الجماعة، التي بدأت تتنفس الصعداء بمجرد اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، بخاصة أنّها وجدت أحد المرشحين المحتملين في هذه الانتخابات يتغزل في وجود التنظيم، بل يدعو لعودته إلى المشهد السياسي من جديد.

وهنا الجماعة تبدو معذورة في مشاعرها، إذ وجدت من يدعوها إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية وإلى العودة لممارسة السياسة، بعدما مارست العنف والتحريض والكراهية بكل مستوياته، أفراداً وقيادات؛ حتى القيادات التي تدّعي أنّها صاحبة خطاب دعوي وتؤمن بالحوار وأبعد ما تكون عن الجدل والجدال، هي ذاتها التي تتيح مساحات لبث الكراهية وممارسة الاغتيال المعنوي على منصّات “الإخوان” الإعلامية.

وهذا ما يجب أن يفهمه النّاس، فكرة تقسيم “الإخوان” ما بين حمائم وصقور غير صحيح؛ فجميعهم شربوا من بئر واحدة وتربّوا على أفكار واحدة ويحتكمون إلى لوائح واحدة. ما يحدث من التنوّع المزعوم هو مجرد توزيع للأدوار، ومجرد محاولة لصرف النظر عن شكل وطبيعة التنظيم التي ترسّخت في عيون وعقول النّاس، أو محاولة الإيحاء بأنّ الجماعة فيها كل ما تريده؛ المتشدّد المتعصّب الذي يُلهب مشاعر الشباب ويرضي متطلباتهم، كما أنّ فيها مَن يؤمن بالحوار حتى ولو كان زائفاً، فيُرضي البعض ممن يؤمنون بضرورة انتهاج الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة.

المنصّات الإعلامية التي حرّضت على ممارسة العنف، وطالب مقدّمو البرامج فيها بممارسة الاغتيال الجنائي ضدّ بعض المعارضين باسم الجهاد، هي تابعة لـ”الإخوان”، يتمّ مراجعة برامجها من الناحيتين الشرعية والفقهية، أو على الأقل ما يظهر عليها يكون تحت إشراف التنظيم وبموافقتهم، ويتمّ ذلك بأموال “الإخوان” أيضاً، وبالتالي محصلة المحتوى الإعلامي لهذه الشاشات يُعبّر عن التنظيم.

الإدعاء أنّ التنظيم راجع نفسه في فكرة العنف الذي مارسه عبر ميليشياته المسلّحة أو الجرائم التي ارتكبها وحوكم فيها أفراد من الجماعة، هدفه تبرئة الجماعة من الجرائم التي لُصقت بها أو غسل سمعتها، وهو يُشبه تماماً، الفترة التاريخية التي حلّت فيها الجماعة النظام الخاص أو الذراع العسكرية في عهد المرشد الثاني، حسن الهضيبي.

خرجت الجماعة لتُعلن أنّها عادت إلى صوابها وحلّت ذراعها العسكرية، وطلبت الغفران على عمليات القتل التي مارستها ضدّ قيادات تنفيذية، منها رئيس وزراء مصر ووزير داخليتها محمود فهمي النقراشي في العام 1948، والقاضي أحمد الخازندار في العام 1948، وتفجير محكمة استئناف القاهرة في العام 1949، وغيرها من الجرائم.

وما لبثت أن عادت إلى ممارسة الجرائم ذاتها بعد قرابة 60 عاماً، فحاولت اغتيال القضاة في محافظة سيناء في العام 2015، واغتالت بالفعل النائب العام المصري هشام بركات في العام نفسه، وحوكم “الإخوان” الذين شرعوا في تنفيذ هذه الجريمة ونُفّذ في المدانين عقوبة الإعدام، كما أنّهم حاولوا اغتيال الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنفسهم وبمساعدة آخرين.

“الإخوان” هم دعاة عنف، وعنفهم لفظي وسلوكي وسياسي وجنائي؛ نجحوا في تسويق صورة غير حقيقية عن أنفسهم، هذه الصورة تأثّر بها سياسيون ومثقفون ورجال أمن وقادة وزعماء؛ فقد تجد رؤساء دول يحتضنون الجماعة، وفق تأثرهم بالصورة المزيفة التي روّجها التنظيم عن نفسه، ونسي كل هؤلاء أنّ مشرب “الإخوان” واحد، كلهم يتلقّون الأفكار من معين واحد، القديم والجديد، الكبير والصغير منهم، المرأة والشاب، وهنا تبدو خطورة التنظيم، والتي يمكن أن نختصرها في الأفكار، فمهما كانت الممارسات مدانة وتدل على عنف التنظيم المفرط، فإنّ الخطر الأكبر يبدو في الأفكار التي تُشكّل الجسر الممتد بين أجيال التنظيم.

حاول د. حلمي الجزار، في حواره الأخير على إحدى القنوات المملوكة لـ”الإخوان” – والتي سبق وحرّض محتواها الإعلامي على العنف والانتقام، فأهدر على شاشتها دماء الكثير من المصريين – على طريقة التحريض المعنوي والجنائي، أن يقدّم التنظيم على أنّه فصيل سياسي يقبل بالمختلفين، ثم أعلن أنّ الجماعة لن تخوض الانتخابات الرئاسية، وكأنّ مشكلة التنظيم مع النظام السياسي وأجهزته الأمنية وليست مع الشعب المصري الذي ثار عليه وما زال يتذكّر جرائمه التي لم تتوقف.

“الإخوان” يعودون بالوجه نفسه الذي غابوا عنه قبل أكثر من 10 سنوات، ويكرّرون التاريخ مرّة ثانية، يعتمدون على أنّ الشعب المصري صاحب ذاكرة سمكية، لا يمكن أن يتذكّر ما فعله التنظيم ربما من أيام وليس من سنين، وهنا تبدو أهمية تفكيك الأفكار التي أثّرت سلباً على بنية المجتمع، وكانت مسؤولة عن صراع كلّفنا الكثير ربما من أرواح الأبرياء، وربما تكون الفاتورة أكبر لو استمر وجود هذا التنظيم.

ثمة مشروع لا بدّ أن تستكمله الدولة في مواجهة كل التنظيمات المتطرّفة، ولا بدّ لهذا المشروع أن يتمّ حتى يتنفس الوطن الصعداء، وتغيب عن وجهه كل الأفكار الرديئة، بل الدموية؛ جزء من هذا المشروع فكري، بل الأهمية في المواجهة الفكرية، لأنّها تؤدي إلى تفكيك أفكار هذه التنظيمات، وبالتالي يغيب بريقها وجذبها للشباب، بل تتحوّل إلى النقيض حيث تُصبح منفرة.

خلايا تنظيم “الإخوان” تتحرّك داخل مصر وفق استراتيجية البطة أو السلحفاة؛ تحرّك بطيء لا تشعر به أجهزة الأمن ولا يلمسه المواطن إلاّ في تعديل مسارات الناخب وزيادة حالة الاحتقان ضدّ النظام السياسي الحالي، حتى لا يأتي بنتائج عكسية، كما يتحرّك التنظيم بالمنطق نفسه خارجياً، والمتوقع أن يزداد التحرّك وفق فرص نجاح الرئيس المحتمل للرئاسة، عبد الفتاح السيسي. فإذا كانت فرصة قوية للفوز لن يدخل التنظيم في صدام جديد معه أو يُحاول تقليل وتيرة هذا الصدام، أما إذا كان غير ذلك، فلا مانع لديه من التصعيد مهما كانت درجته وصورته.