كاجين أحمد ـ xeber24.net
متى كان الطفل ذي العشر سنوات إرهابي؟ ومتى كان الرجل الذي يوصل النهار بالليل لتأمين قوت عياله إرهابي؟ ومتى كانت المحطة التي تغذي أكثر من ميلوني إنسان بالطاقة الكهربائية إرهابية؟ أم أن المشفى الذي يداوي المواطنين إرهابية، أم أن ذلك الرجل الذي يناجي ربه ويتلو كتابه إناء الليل ليحمي عائلته وجيرانه من غدر الطائرات الحربية التي تقصف عشوائياً إرهابي؟
تقول تركيا ورئيسها أردوغان أنها شنت عملية عسكرية جوية واسعة النطاق ضد “الإرهابيين” في شمال سوريا، فقتلت حتى الآن نحو عشرين مدني عزّل بينهم نساء وأطفال وإصابة العشرات منهم، كما دمرت المشافي ومحطات توليد الكهرباء والغاز وآبار النفط والمياه ومطاحن الحبوب وصوامع تخزينها ومؤسسات خدمية ومخيمات اللجوء.
وادعت تركيا أنها التزمت القانون الدولي في اعتداءاتها هذه وحافظت على حياة المدنيين والأصول البيئية والتاريخية والثقافية، لكن الصورة المنقولة عبر عدسات وكالات الأنباء الدولية والمحلية أصدق من ادعاءات أنقرة.
شنت الطائرات التركية الحربية العشرات من الغارات إلى جانب هجمات عبر الطيران المسير على أكثر من 65 موقعاً ابتداءاً من مدينة ديريك بأقصى شمال شرق سوريا وصولاً إلى الشهباء في ريف حلب الشمالي، دمرت نحو 50 مؤسسة خدمية ومنشآت للطاقة ومحطات للمياه والكهرباء إلى جانب مشافي ومركز صحية، كما قتلت نحو عشرين شخص بينهم نساء وأطفال.
طفل جريح يشيّع جثمان والده الشهيد
جيّشت المشاهد الكارثية التي نقلتها وسائل الاعلام ومراسلي الوكالات الدولية مشاعر الناس وعواطفهم لكنها لم تستطع إيقاظ ضمير المجتمع الدولي ولا تحريكه قيد أنملة.
ومن بين تلك المشاهد صورة الولد الجريح الذي شيّع جثمان والده، الطفل معتصم العليوي الذي كان في منزله بصحبة عائلته الكائن في مدخل مدينة تربسبيه/القحطانية الغربي، عندما قامت طائرة حربية تركية بقصف منزلهم مساء يوم الخميس الماضي، فأصيب مع والده، تركزت شظايا في رأس الوالد “محمد العليوي” ما أفقده حياته، أبى معتصم ذي العشر سنوات أن يعالج جراحه قبل أن يشيّع جثمان أبيه.
لم يكن معتصم ولا والده يحملان بارودة حربية ولا حتى سلاحاً أبيضاً يوجهانها إلى الطائرات التركية، بل كانا بفناء منزلهما فكيف صنفتهما أنقرة على لوائح “الارهاب” لديها وقتلت الأب بعد أن قتلت الطفولة في نفس معتصم.
دماؤه تناثرت على كتاب القرآن الكريم
لم يكن مشهد الطفل معتصم الذي كان عيناه الداميتان تبوحان بالكثير من الكلمات التي عجز لسانه عن نطقها اثناء تشييع جثمان والده، ولا صور الدمار ومشاهد النيران التي تشتعل بمحطات المياه والغاز والكهرباء، هي الوحيد التي أذهلت عقول العالم جراء الوحشية التركية وإرهابها، بل كانت هناك صورة أخرى أفجعت العالم لأحد المدنيين الذين كان يتراقص من جراحه في بركة من الدم وأمامه كتاب القرآن قد تناثر عليه دماؤه.
المواطن سامي نايف النزال (35 عاماً)، أحد أهالي ريف مدينة تربسبيه، يعمل ليل نهار من أجل قوت عياله، جاءت مناوبته ليل الخميس/الجمعة في محطة كرداهول جنوب غرب تربسبيه، وفي فجر يوم الجمعة بعد الصلاه تناول كتاب القرآن ليتلو بعضاً من آياته كي تكون حامياً له ولأولاده من الهجمات الوحشية للدولة التركية.
لم يكد سامي من إنهاء تلاوة الآيات القرآنية حتى كانت الطائرة الحربية التركية قصفت موقعه، ومن شدة صدمة الضربة طار كتاب الله من بين يديه بعد أن تصاوب بجراح بليغة وتنارث دماؤه على القرآن الكريم الذي بقي مفتوحاً على سورة الأنعام.
هذا ولا تزال الصور والمشاهد تتوالى من هذه المنطقة التي باتت تنزف دماً وتفتحت جراحها من جديد وصراخ أطفالها تملأ الدنيا لكنها تعجز عن إيقاظ ضمير المجتمع الدولي.