كاجين أحمد ـ xeber24.net
يبدو أن تركيا تحاول تغيير نهجها المتبع إزاء الأزمة السورية، وتغيير مسار سياستها بالتخلي عن الائتلاف السوري المعارض وفصائله المسلحة ودعم النظام القائم في دمشق وإعادة تطبيع العلاقات معه.
برز هذا التوجه بشكل كبير مؤخراً في دائرة الحكم الضيقة بأنقرة، والتي تعمل على تأسيس قواعد جديدة لتغيير نهجها تجاه حكومة دمشق ونظام الأسد، مقابل شرط وحيد، وهو منع نجاح مشروع الإدارة الذاتية التي أسسها الكرد في شمال وشرق سوريا.
تطبيع العلاقات
إن افتقار ما يسمى بالائتلاف السوري إلى برنامج سياسي واضح وتحول قواه العسكرية إلى مجموعات مسلحة تمتهن السرقة والقتل والخطف وفرض نفوذها بقوة السلاح، فضلاً عن استمرار ارتكابها للانتهاكات التي وصلت إلى حد جرائم الحرب وتصنيفها فيما بعد من قبل دول عدة على قوائم الارهاب، كل هذه الأمور جعلتها عبئاً على الدولة التركية، خاصة وأنها فشلت في مهتمها التي أوكلت إليها من قبل أنقرة في القضاء على المشروع الكردي في سوريا.
كما أن وجود النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، وارتفاع مستوى الكراهية بين الشعب التركي للاجئين، دفعت أنقرة بشكل جدي إلى البحث عن حلول للتخلص من السوريين المتواجدين على أراضيها وإيجاد بديل عن المعارضة المسلحة للقضاء على مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
توجهت تركيا بتشجيع من روسيا إلى الجلوس مع النظام السوري بشكل علني ورسمي، وكان أول لقاء على المستوى الأمني في بداية عام 2020، والذي جمع بين علي مملوك مدير مكتب الأمن الوطني للنظام السوري، وهاكان فيدان الذي كان يشغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات التركية حينها.
تلا ذلك لقاء رسمي وبرعاية روسية وإيرانية بين وزيري خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، والسوري فيصل المقداد، وفي كلا اللقائين كانت الشروط السورية ثابتة لا تتغير رغم الضغوطات الروسية.
توقف اللقاءات بين وفدي البلدين على كافة المستويات، منذ سنتين بسبب تعنت حكومة دمشق التي لم تتنازل عن شروطها في الانسحاب التركي من أراضيها والتخلي عن دعم الجماعات المسلحة شمال البلاد، إلا أن الظروف الحالية والتغييرات التي طرأت على الساحة السورية، خاصة في إقليم شمال وشرق سوريا ونهضتها المتسارعة سياسياً وعسكرياً والتي أوصلتها إلى أبواب الشرعية الدولية والاعتراف بها ككيان سياسي ومشروع لمستقبل سوريا الجديدة، جعلت من أنقرة تدق أبواب جديدة للتوسط في مسألة المصالحة مع الأسد واستعداده عن تقديم تنازلات أخرى.
انتخابات الإدارة الذاتية تحرك أنقرة للمصالحة مع الأسد
منذ أن أعلنت الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا عن تنظيم انتخاباتها المحلية في الـ 11 من شهر حزيران الماضي، لم تتوقف تركيا عن تهديداتها بضرب المنطقة عسكرياً واحتلال مدنها وبلداتها.
أرسلت أنقرة وفودها الدبلوماسية والعسكرية إلى كل من الولايات المتحدة وروسيا، في محاولة للضغط على الإدارة الذاتية بإلغاء هذه الانتخابات، أو السماح لها بشن عمل عسكري داخل أراضيها، إلا أن القوى الدولية واللاعبين الأساسيين في الساحة السورية رفضوا تغيير موازين القوى ومنح الضوء الأخضر لتركيا.
أثار هذا الأمر غضب دائرة الحكم في أنقرة، والتي سارعت خطواتها باتجاه دمشق لتقديم المزيد من التنازلات للنظام السوري، مقابل منع إجراء الانتخابات في إقليم شمال وشرق سوريا نجاح مشروع الإدارة الذاتية.
وقالها علناً حليف أردوغان الأساسي وشريكه في الحكم، دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية المتطرف، حيث طلب من حكومة أنقرة بتقديم ما يلزم للمصالحة مع نظام الأسد والتحالف معه ضد المشروع الكردي في شمال وشرق سوريا.
الرئيس التركي الذي لم يتوقف عن توجيه التهديدات إلى الإدارة الذاتية، قال قبل يومين أنه في حال اصرت الإدارة على إجراء انتخاباتها فإنه سيحشد كل قواته العسكرية على الحدود الجنوبية، واستطر في قوله، بإن إدارة دمشق لن تسمح بإجراء مثل هذه الانتخابات، وكأنها رسالة علنية إلى نظام الأسد في استعداد أنقرة على تنفيذ مطالبه.
استئناف اللقاءات بين الدولتين
التحرك الدبلوماسي التركي المكثف وطرقه أبواب عدة، أثمر عن استئناف اللقاءات المتوقفة مع نظام الأسد، لكن على المستوى الأمني فقط حتى الآن.
ففي الـ 12 من شهر حزيران، جرى لقاء أمني على مستوى كبار الضباط بين وفدي البلدين وبرعاية روسية في قاعدة حميميم على الساحل السوري جنوب شرق محافظة اللاذقية.
الوفدين بحثا شروط استئناف المفاوضات في الظروف الحالية التي تشهدها المنطقة إقليمياً ومحلياً، حيث تلخصت شروط الجانب السوري بحسب مصدر حكومي في دخول قواتها إلى كامل محافظة إدلب، وتخلي أردوغان عن دعم الفصائل المسلحة كخطوة لاستئناف المفاوضات والتباحث في عملية الانسحاب العسكري التركي من الأراضي السورية.
وأوضح المصدر الحكومي، أنه في حال تم الاتفاق على هذه الشروط، سيتم استئناف اللقاءات، ويعقد الجولة الثانية في العاصمة العراقية بغداد، في الوقت الذي يقوم فيه رئيس وزراء الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بدور كبير في تقارب وجهات النظر بين الطرفين.
هذا ويرى المراقبون، بأن تركيا مجبرة على تقديم المزيد من التنازلات للنظام السوري، خاصة وأن سياستها السابقة وعلى مدى عقد من الزمان اثبتت فشلها، وتراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم وخسارتها للانتخابات المحلية، ستدفعها إلى المصالحة مع الأسد، علماً أن المطالبة باستئناف المفاوضات جاء من الجانب التركي.
لذلك يمكن أن تشهد الساحة السورية خاصة المنطقة الشمالية منها والتي تقع تحت نفوذ ما تسمى بالحكومة المؤقتة وحكومة الانقاذ، تطورات ومفاجئات غير متوقعة في المستقبل القريب، حسب المراقبين.