بقلم : منير أديب
لا شك في أنّ الرابح الحقيقي من وراء إتمام صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أو ما أُطلق عليها الهدنة الإنسانية، هم الأسرى المدنيون من الجانبين، بخاصة أنّ هذه الصفقة شملت الأطفال والنساء ما دون الـ19 عاماً؛ فهؤلاء الأطفال ليسوا طرفاً في الصراع ولا بدّ ألّا يكونوا كذلك.
لا يوجد رابح أو خاسر من وراء إتمام هذه الصفقة؛ فكل طرف رابح خاسر أو خاسر رابح، ولا يمكن تقييم الرابح والخاسر في معركة ما زالت تدور رحاها وكل السيناريوات مطروحة فيها، وكل طرف من أطراف الصراع ما زال في جعبته بعض الأوراق التي سوف يستخدمها في الجزء الثاني من الجولة أو في بقية الحرب.
وهذا لا يمنعنا من تقييم الصراع وما انتهى إليه بعد مرور خمسين يوماً، وهنا سوف نقيّم الرابح والخاسر في جولة من جولاته، مع العلم أنّ الصراع ما زال قائماً وأنّ صفقة الهدنة حُدّد لها أربعة أيام فقط، وما زال كل طرف من طرفيها قادراً على إحراز نقاط لصالحه في بقية فصول الصراع لو استمر. ونلفت النظر هنا إلى أنّ تقييمنا للربح والخسارة ليس له علاقة بالأبعاد الإنسانية، رغم أنّها ذات اعتبار في هذه الحرب، ولكن التقييم يستند إلى رؤية عسكرية واستراتيجية في النظر للصراع.
مبدئياً، فرضت حركة “حماس” شروطها في الصفقة الأخيرة مع إسرائيل، واستغلت فشل الأخيرة في تحقيق أي من أهدافها المرتبطة بالقضاء عليها أو حتى تحرير الأسرى، وهو ما جعلها توافق على هدنة مع طرف ترى ضرورة القضاء عليه تماماً وتستعد لذلك.
من الشروط التي فرضتها “حماس” أن تكون الصفقة مرحلية، بمعنى لا تشمل كل الأسرى الإسرائيليين وإن تكون بحدود 50 أسيراً إسرائيلياً، بعدما أصرّت إسرائيل أن تكون الصفقة 100 أسير ثم تراجعت وتمسّكت بأن يكونوا 80 أسيراً، قبل أن تفرض “حماس” إرادتها، وهو ما جاء في الصفقة، ومقابل كل أسير سوف يخرج ثلاثة أسرى فلسطينيون من الأطفال والنساء، وهذا المنطق يعني تبييض السجون الإسرائيلية في نهاية الصفقات المتوقعة في المستقبل.
فإذا كان كل مدني إسرائيلي في الصفقة الأخيرة أمام ثلاثة أسرى فلسطينيين، فكم تضع “حماس” أمام الأسرى العسكريين؟ بخاصة أنّ بعضهم برتب عسكرية كبيرة سوف يتمّ التفاوض عليهم بعدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين الذين تتمسك إسرائيل بعدم إخراجهم من السجون الإسرائيلية، وهنا نقصد بعض قادة الفصائل داخل هذه السجون.
فرضت “حماس” شروطها في ما يتعلق بدخول المواد الإغاثية الطبية والإنسانية والوقود بكميات كبيرة، قد تكفي القطاع وقد يكون مخزوناً للمتبقّي من المعركة إذا أصرّت إسرائيل على استكمالها عسكرياً، كما أنّ “حماس” اشترطت أن تدخل المواد الإغاثية إلى كل القطاع شمالًا وجنوبًا، وفرضت شرطًا يتعلّق بمنع تحليق المسيّرات الإسرائيلية مدة 6 ساعات في كل يوم من أيام الهدنة.
ظهرت إسرائيل وكأنّ اقتحامها لقطاع غزة كان مغامرة غير محسوبه، فهي لم تستطع القضاء على “حماس”، كما أنّها فشلت في تحرير الأسرى والمحتجزين، فضلًا عن مقتل العشرات من جنودها وتدمير مئات المركبات العسكرية والخسارة المعنوية لإسرائيل أمام العالم.
صحيحٌ فَقَد الفلسطينيون قرابة 15 ألفاً في هذه الجولة، وهو رقم لا يتناسب مع من خرج أو سوف يخرج من الأسرى الفلسطينيين من سجون إسرائيل، ولكن إذا اعتبرنا أنّ ذلك خسارة لحركة “حماس” فإنّها قد حقّقت مكاسب أعظم بكثير، فضلاً عن أنّ نظرية العد “رؤوس برؤوس” هي نظرية خاطئة في تقييم الرابح والخاسر فيها، لأنّ الأهداف الإستراتيجية والعسكرية الأخرى تفوق، فضلًا عن مقتل المئات من الإسرائيليين مرّة واحدة، ولعلّه لم يحدث في حرب إلاّ في حرب 6 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973 مع مصر، وهذا مكسب عسكري لا يمكن تجاهله.
نجحت آلة الإعلام الإسرائيلية في تشويه صورة حركة “حماس” عندما أسرت الأطفال والنساء والمدنيين الإسرائيليين، ولكن “حماس” أرادت عقد صفقة تخصّ هؤلاء المدنيين، فجعلت إسرائيل تعترف أمام العالم بأنّ سجونها تكتظ بالأطفال والنساء الفلسطينيين دون الـ19 عاماً؛ هي حاولت أن تُبرّر هذه الصفقة أمام الرأي العام الإسرائيلي بأنّ هؤلاء نشطاء ولم تصدر عليهم أحكام، وبالتالي هم ليسوا خطراً على إسرائيل، فأدانت نفسها باحتجازهم، وظهرت في موضع من يعتدي على الأطفال والنساء.
هذه الصفقة وافق عليها يحي السنوار، مسؤول الحركة في غزة، والمطلوب الأول لدى إسرائيل، وأبدى ملاحظاته على بنود الاتفاق التي وافقت عليها إسرائيل في النهاية؛ وكأنّ لسان حال القيادات السياسية والأمنية في إسرائيل تقول: إننا قبلنا بصفقة إسرائيل مع السنوار وبعدها سوف نواصل القتال من أجل الوصول إليه؛ والسؤال هنا، إذا كانت إسرائيل قادرة على التخلّص من السنوار أو قيادات “حماس”، فلماذا لجأت إلى صفقة التبادل، وهل ذلك يُعدّ إعلان فشل مرحلي لعملياتها العسكرية؟