مجموع

حريق سينما عامودا.. ذكرى تئن تحت الرماد وإرادة تنتصر بالكاميرا

مشاركة

آفرين علو -xeber24.net

مرّت خمسة وستون عاماً على حريق سينما عامودا، حين تحوّل عرضٌ سينمائي إلى نارٍ مستعرة، تاركاً خلفه جراحاً لا تندمل وذكرياتٍ لا تُمحى.

واليوم، وبعد عقودٍ من الصمت والحداد، يعيد مهرجان روج آفا الدولي للأفلام إحياء تلك الذكرى، ليمنحها صوتاً، ويهب الضحايا حياةً تُروى على شاشةٍ لا تحترق.شهدت مدينة عامودا في 13 تشرين الأول 1960، فاجعة أليمة، حيث تحول عرض لفيلم سينمائي في دار سينما “شهرزاد”، إلى جحيم.

قبل وقوع المأساة، كان 500 تلميذ من المرحلة الابتدائية، أعمارهم دون 12 عاماً، يستعدون لمشاهدة الفيلم المصري “شبح منتصف الليل”، وعرض الفيلم بذريعة دعم الثورة الجزائرية، على أن يدفع ريع العرض كمساهمة رمزية في دعم الجزائر ضد الفرنسيين.

ورغم أن الفيلم لم يكن مناسباً للعرض أمام أطفال لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة، فقد قُدِّم لهم بناءً على توجهات السلطات آنذاك، وفي دارٍ لا تصلح أصلاً أن تكون سينما. كانت دار السينما مبنيةً من الطين، ولم تتوافر فيها أدنى شروط السلامة؛ فجدرانها الداخلية مغطاة بستائر عشوائية قابلة للاشتعال، وسقفها مصنوع من الخشب والقش، بينما كان بابها مرتفعاً عن أرضية القاعة.

كما أن المحرك القديم الذي يدير آلة العرض أنهكه العمل، ولم تكن الصالة قادرة على استيعاب خمسمئة شخص.

وفي لحظات، تحوّلت الدار السينمائية إلى جحيمٍ تلتهمه النيران، فابتلعت ما صادف طريقها، وألهبت ألسنةُ اللهب الستائرَ التي تساقطت كقطعٍ من الجمر فوق رؤوس الأطفال.دوّت الصرخات، وعمّت الفوضى، وتكدّس الأطفال عند الباب الذي غدا الخلاص منه عسيراً.

هرع أهالي المدينة لإنقاذ أطفالهم، وفي مقدمتهم محمد سعيد آغا الدقوري، الذي أنقذ عدداً منهم قبل أن تسقط عليه عارضة من السقف وتودي بحياته، في حين لم تكن هناك أي سيارات إطفاء لتقديم المساعدة.

وما إن خمد اللهيب، حتى كانت المدينة قد ودّعت 283 طفلاً من بين 500 طفل أُنقذوا من بين أنياب النار.

كانت الفاجعة تفوق الوصف، والقلوب مثخنة بالحزن، محترقة بفقدان البراءة. اكتست المدينة بالسواد، وتحولت بيوتها إلى مجالس عزاء، يعلو فيها أصوات الأمهات المفجوعات بفلذات أكبادهن.

ورغم الفاجعة، وهول الكارثة التي حلّت، لم تُجرِ السلطات التي كانت تمثل آنذاك الوحدة المصرية السورية، أي تحقيقات جدية لمعرفة ملابسات وقوع الحريق، واستمر هذا الإهمال عبر الحكومات السورية المتعاقبة، فظلت القضية متروكة على الرفوف، تركوا المدينة وحدها تحصي أسماء شهدائها على الجدران وتستعيد وجوه أطفالها في كل خريف جديد، دون إنصاف أو مساءلة حتى اليوم.

لكن الذاكرة لم تمت، من رماد تلك الليلة ولدت إرادة حية لا تنطفئ، ومن رحم الحريق، خرجت السينما الكردية لتروي بعد ستة عقود حكايات عن السينما التي كانت شاهدة على الموت.

في كل عام وفي ذات التاريخ يقام مهرجان روج آفا الدولي للأفلام، وهذا العام ينطلق تحت شعار “الحكايات المشتركة، السينما الحرة”، على مدار 7 أيام، تحتفي فيها بالسينما بوصفها لغة الضوء والخيال، حيث تمتزج الرؤى وتروى الحكايات بعيون حرة، تعرض فيه أفلام من كردستان والعالم، لا لتبكي الحريق، بل لتمنح الذاكرة صوتاً وللألم معنى.

انطلقت أولى أعمال المهرجان عام 2016، ثم توالت في الأعوام اللاحقة، حاملة وعداً واحداً، أن تبقى أطفال عامودا حاضرة في الضوء، وأن تحول النار التي أحرقتهم إلى شعلة تنير درب الوعي والحرية.

يقام اليوم مهرجان روج آفا الدولي للأفلام في دورته الـ 5 في مدينة قامشلو، بين 13 و20 تشرين الثاني، بتنظيم من كومين روج آفا للأفلام، واستقبلت 218 فيلماً و22 سيناريو من مناطق مختلفة حول العالم، من كردستان وسوريا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا والشرق الأوسط، في حين سيتم اختيار 81 فيلماً للمشاركة الرسمية بعد تقييمها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى