آفرين علو ـ xeber24.net
شهدت الفترة من ديسمبر 2024 إلى أكتوبر 2025، أي بعد عشرة أشهر من سقوط نظام الأسد، استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا. وقد تفاقم العنف والفوضى، واتسعت رقعة الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف محلية ودولية متعددة.
شهدت سوريا خلال هذه الفترة انتهاكات متعددة شملت القتل خارج نطاق القانون والإعدامات الميدانية والخطف والتعذيب، بالإضافة إلى الاستهداف العشوائي للمدنيين والهجمات المسلحة والتفجيرات المتكررة.
كما استمرت عمليات القصف من قبل القوات التركية والإسرائيلية وهجمات الجماعات المسلحة والمتطرفة، مما أدى إلى تفاقم معاناة السكان المدنيين، ولا سيما النساء والأطفال.
وفقاً لتوثيق المرصد السوري لحقوق الإنسان، أسفرت العنف خلال الفترة المشمولة بالتقرير عن مقتل 10,955 شخصاً، بينهم 8,422 مدنياً، من بينهم 463 طفلاً و636 امرأة. كما تم توثيق 3,054 حالة إعدام ميداني، مما يعكس استمرار دوامة العنف والإفلات من العقاب.
وتؤكد هذه الأرقام الحاجة الملحة إلى آليات فعالة للمساءلة وحماية المدنيين، وبناء مؤسسات قادرة على فرض سيادة القانون لجميع السوريين.
بعد سقوط النظام البائد، شهدت سوريا تصاعداً دموياً تركز في صراعات طائفية ومناطقية. في الساحل السوري، استهدف العنف المكون العلوي في آذار بعمليات قتل ودمور واسع. وفي أيار، تعرضت مناطق درزية لهجمات مسلحة أسفرت عن سقوط ضحايا ونزوح آلاف.
كما شهدت السويداء أحداثاً دموية مماثلة. مثلت هذه الأحداث بعضاً من أكثر المراحل دموية، مؤشرةً على تصاعد الانقسامات الطائفية والمناطقية في البلاد.
شهدت هذه المرحلة تصاعداً حاداً في الإعدامات الميدانية والقتل على الهوية، حيث وثق المرصد 3054 حالة ارتُكبت بأساليب وحشية.
وقد تركزت بشكل كبير في شهر آذار الذي سجل وحده 1726 حالة تصفية، بالتزامن مع هجمات مسلحة على الحواجز الأمنية في الساحل السوري في 6 آذار.شهدت الفترة موجات واسعة من الاعتداءات طالت أماكن العبادة والرموز الدينية المتنوعة، بما فيها الكنائس والمساجد والمزارات، مما ألحق ضرراً بالتراث الروحي والثقافي السوري.
شملت أبرز الاعتداءات الهجوم الإرهابي على كنيسة مار إلياس في دمشق، مما أسفر عن إصابات وضحايا وأثار الذعر بين السكان. كما تعرضت مزارات دينية ورموز روحية أخرى لهجمات مباشرة شملت الاعتداءات المسلحة والتخريب والنهب، ما أدى إلى تدمير وتشويه هذه المعالم الدينية والتاريخية.
رغم هذه الحصيلة الدامية، لا تزال المحاسبة غائبةً تواصل الانتهاكات. فعلى سبيل المثال، لم تقدم لجنة تقصي الحقائق المكلفة بالتحقيق في مجازر الساحل نتائج تتوافق مع الوقائع، بينما استمرت المجازر في مناطق أخرى مثل السويداء.
وتزامن ذلك مع حملات إعلامية منظّمة تُطلقها أطراف موالية للسلطة الانتقالية، هدفها تقويض أي جهة توثق أو تفضح الانتهاكات، عبر بثّ خطاب طائفي وتحريضي، يربط الطوائف بمواقف سياسية محددة بشكل مغرض، كما هو الحال في اتهام العلويين بأنهم “فلول النظام”، أو الدروز بـ”العمالة”، أو الأكراد بـ”الانفصالية”، ما يعمّق الانقسام ويعرقل مسار العدالة الانتقالية.
ولم تقتصر هذه الحملات على بثّ الروايات المشوهة، بل توسّعت لتشمل استهداف نشطاء وحقوقيين ومنصات إعلامية مستقلة، من خلال حملات تشويه منسقة يقودها الذباب الإلكتروني، لمهاجمة كل من يفضح هذه الانتهاكات أو يدعو لمحاسبة المتورطين بها، في محاولة لشيطنة الخطاب الحقوقي، وإسكات الأصوات المطالبة بالحقيقة والعدالة.
وبات من الواضح استخدام ما يُعرف بـ”الترند” في وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لقياس الضغط العام، وعدم التحرك إلا تحت وقع الرأي العام أو لتلميع الصورة، دون أن يكون ذلك نابعاً من التزام فعلي بالمحاسبة أو بتطبيق القانون.لا يزال آلاف المعتقلين محتجزين دون محاكمة أو تهم واضحة، بينهم ضباط سابقون وأطباء ومدنيون، حيث يجري احتجازهم تعسفياً دون إجراءات قانونية.
في المقابل، لم يُقدّم مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب إلى العدالة.يشكل هذا الواقع انتهاكاً صارخاً لمعايير المحاكمة العادلة، ويعيق أي مساع جادة لتطبيق العدالة الانتقالية في سوريا.