تتزايد الضغوط على منتجي النفط والغاز بالتحول إلى زيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة، وخفض تطوير الأصول التي تعمل بالوقود الأحفوري المسبب للتغير المناخي.
وكان تقرير لوكالة الطاقة الدولية نشر، الشهر الماضي، وصف مؤتمر “كوب28” المنعقد حاليا في دبي بـ “لحظة الحقيقة” بالنسبة لصناعة الطاقة التقليدية التي تواجه ضغوطا للتحول.
وقال التقرير إن منتجي النفط والغاز لديهم “خيارات محورية” بشأن دورهم في نظام الطاقة العالمي، وسط أزمة مناخية متفاقمة تغذيها إلى حد كبير منتجاتهم الأساسية.
لكن خبراء يعتبرون أن الوقت لا يزال مبكراً لانطلاق العد التنازلي للاستغناء عن الوقود الأحفوري والاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة الصديقة للبيئة.
بين “شعارات سياسية ومطالب واقعية”
وقال الباحث البارز بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، عمر العبيدلي: “لا أعتقد أنها وصلت إلى نقطة العد التنازلي”، في إشارة إلى صناعة الوقود الأحفوري.
واستشهد العبيدلي في حديثه لموقع قناة “الحرة” بغزو روسيا لأوكرانيا في مطلع العام الماضي وارتفاع أسعار الطاقة لمستويات قياسية، مما أدخل العالم في تضخم اقتصادي.
وأضاف: “أوضحت الأزمة الأوكرانية أنه توجد اختلافات كبيرة بين الشعارات السياسية المتعلقة بتغير المناخ، والمطالب الاقتصادية الواقعية، التي تشمل توفير السلع بأسعار منخفضة، منها سلع الطاقة”.
والسبت، أعلنت الرئاسة الإماراتية لمؤتمر الأطراف بشأن التغير المناخي أن 50 شركة في قطاع النفط والغاز، تمثل 40 بالمئة من الإنتاج العالمي، التزمت بالتخلص من الكربون في عملياتها الإنتاجية بحلول عام 2050.
ووقعت هذه الشركات، ومن بينها 29 شركة وطنية منها أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية، ميثاقا يحدد أهداف تحقيق “الحياد الكربوني عام 2050 أو قبله”، وانبعاثات “قريبة من الصفر” من غاز الميثان، و”عدم الحرق الروتيني” في حقول الإنتاج بحلول عام 2030.
ومع ذلك، فإن “ميثاق إزالة الكربون من النفط والغاز” (OGDC) الذي قدمته الإمارات والسعودية بشكل مشترك، يتعلق فقط بانبعاثات الغازات دفيئة المرتبطة بعمليات هذه الشركات، ولا يشمل ثاني أكسيد الكربون المنبعث أثناء استهلاك النفط والغاز الذي تبيعه، ويمثل القسم الأكبر من البصمة الكربونية لهذا القطاع.
وفي هذا الصدد، قال المحلل الاقتصادي البارز المتخصص في مجال الطاقة، عامر الشوبكي، إن هذا الإعلان “سيكون له أثر ملموس على التخفيض التدريجي للاستثمارات” المتعلقة بالوقود الأحفوري.
وينتج عن إنتاج النفط والغاز ونقلهما ومعالجتهما ما يقرب من 15 بالمئة من انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بالطاقة على مستوى العالم – أي ما يعادل جميع انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بالطاقة من الولايات المتحدة، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
ورغم ذلك، رأي الشوبكي في حديثه لموقع “الحرة” أن “العالم لا يزال يعتمد بنسبة 80 بالمئة على الوقود الأحفوري”، بما في ذلك النفط والغاز والفحم.
وأشار إلى أن التعهدات المناخية السابقة بتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري مقابل زيادة الاستثمارات في الطاقة النظيفة، لم يتم الوفاء بها بشكل كامل لأسباب “سياسية واقتصادية”.
وتابع: “الحاجة السياسية والاقتصادية تتدخل في النهاية كما حدث مثلا في بعض الدول الأوروبية بعد غزو أوكرانيا واستخدام روسيا للغاز كسلاح، إذ بدأت (تلك الدول) باستعادة بعض محطات الطاقة التي تعمل على الفحم”.
ويصنف الفحم على أنه أقذر أنواع الوقود الأحفوري لكونه مصدرا رئيسيا لانبعاث الميثان، وهو غاز يساهم في زيادة الاحتباس الحراري على كوكب الأرض.
ويعد الميثان، الذي تبلغ قوته 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون، مسؤولا عن أكثر من نصف الاحتباس الحراري، رغم أنه لا يشكل سوى ربع الانبعاثات العالمية من الغازات الدفيئة، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”.
“عواقب وخيمة”
ويمكن أن يؤدي خفض انبعاثات غاز الميثان إلى النصف بحلول عام 2030 إلى إبطاء معدل الاحتباس الحراري بأكثر من 25 بالمئة، وبدء مسار لمنع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار نصف درجة مئوية بحلول عام 2100، وفقا لبحث أجراه عام 2021 فريق من العلماء من صندوق الدفاع عن البيئة، بالتعاون مع عدد من الجامعات الأميركية.
وقال الشوبكي إن هناك “حاجة لإجراء توازنات دقيقة تحمي العالم من أزمات المناخ التي يسببها الوقود الأحفوري، وفي الوقت نفسه تحمي الاقتصاد العالمي من أسعار الطاقة المرتفعة”.
واستطرد قائلا إن “العام الحالي 2023 شهد مستويات قياسية جديدة في استهلاك النفط العالمي، وصل إلى 103 ملايين برميل يوميا”.
وفي المقابل، فإن “الاستثمارات في الطاقة المتجددة تخطت للمرة الأولى الاستثمارات في النفط”، وفقا للشوبكي.
ومع ذلك، قال إن “هناك حاجة أكبر للاستثمارات في الطاقة المتجددة” رغم الدعوات لزيادة الاستثمارات في الوقود الأحفوري، سواء من قبل شركات الطاقة التي تدافع عن مدخولها، أو من دول أخرى مثل اليابان التي اشتكت من خطورة نقص الاستثمارات في الغاز على سبيل المثال.
وكان قطاع النفط والغاز – الذي يوفر أكثر من نصف إمدادات الطاقة العالمية ويوظف ما يقرب من 12 مليون عامل في جميع أنحاء العالم – قوة هامشية في التحول إلى الطاقة النظيفة، وفقا لتقرير الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا لها.
وتمثل صناعة الوقود الأحفوري حاليا 1 بالمئة فقط من الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة، في المقابل تستمر في ضخ كميات ضخمة من الغازات المسببة لرفع درجة حرارة الكوكب، بما في ذلك غاز الميثان.
وقال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، في بيان صدر الشهر الماضي، إن “صناعة النفط والغاز تواجه لحظة الحقيقة في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي”.
وتابع: “في ظل معاناة العالم من آثار أزمة المناخ المتفاقمة، فإن الاستمرار في العمل كالمعتاد يعتبر عملا لا مسؤولا اجتماعيا أو بيئيا”.
ولتحقيق الأهداف الدولية بالإبقاء على ارتفاع حرارة الكوكب بمعدل 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الحقبة الصناعية، يجب أن تنخفض انبعاثات صناعة الوقود الأحفوري بنسبة 60 بالمئة بحلول عام 2030، حسبما ذكر التقرير.
وقال الشوبكي إن “الانبعاثات المتزايدة وازدياد درجة حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئوية ستكون لها عواقب وخيمة”.
نقطة التحول في “2030”
ويرسم العبيدلي مسارا متشائما بقوله إن الحرب في أوكرانيا وغزة “أظهرت تفكك النظام الدولي الذي ينسق جهود العالم في كافة المجالات”.
واستطرد: “أصبحت الدول لا تخشى من مخالفة الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي؛ وذلك لأن القوى الكبرى تقوم بذلك”، مضيفا: “لذا ستتبع دول العالم مصالحها، وقد يستدعي ذلك المزيد من الاستثمارات في النفط”.
وتستحوذ مصادر الطاقة على الاهتمام في مؤتمر “كوب28” مع التركيز على الطاقة النووية والطاقات المتجددة، في موازاة مفاوضات شائكة بين نحو 200 دولة بشأن سبل التخلص من الوقود الأحفوري.
وقال الشوبكي إنه “إذا ما نظرنا إلى مخاطر التغير المناخي، لا نستطيع مقارنتها بالأزمات الاقتصادية الحالية الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة”.
ووصف الخطر الناجم عن التغير المناخي بالـ “وجودي” الذي يهدد العديد من البلدان في مختلف أنحاء العالم، ومنها دول في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، قال الشوبكي إن نقطة العد التنازلي لبداية التخلص من الوقود الأحفوري من الممكن أن تبدأ عام 2030.
المصدر: موقع الحرة