باتت اليوم ما تسمى بالحكومة السورية المؤقتة عبئاً يُثقل كاهل السوريين ولاسيما الذين يخضعون لسلطتها المدارة من قبل أنقرة والمكبّلة بأجنداتها، وقد فشلت هذه الحكومة التي كان من المفترض أن تكون نصيرة للشعب السوري والمستضعفين ضد الظلم والاستبداد.
الأمر الذي زاد من الرفض الشعبي لها ولاسيما في المناطق التي تعتبر آمنة ومحررة، لدرجة خرجت مظاهرات ضد رموز هذه الحكومة الشكلية، رافضةً دخول قادتها إلى مدن عدة منها أعزاز والباب وغيرها.
تشكلت الحكومة المؤقتة في مارس 2013 لتكون واجهة إدارية للائتلاف السوريّ المعارض لقوى الثورة السوريّة، وتدير أمور السوريين في شمالي سوريا، وترأسها أحمد طعمة في البداية، واليوم يترأسها عبد الرحمن مصطفى ذو الأصول التركمانية والحاصل على الجنسية التركيّة.
تصاعد الرفض الشعبي لهذه الحكومة التي حاولت نقل مقراتها من أنقرة والداخل التركي إلى أعزاز بعد عام 2016 إثر العملية العسكريّة التركيّة في الباب واحتلالها تلك المنطقة وبعدها غزوها لعفرين واحتلالها في مارس 2018؛ بعد طرح أنقرة ملف التفاوض بينها وبين النظام السوري بوساطة روسية وعملها على منع فتح الجبهات بين النظام والميليشيات المرتهنة للسياسة التركية.
بعد احتلال تركيا لعفرين، حولت الأنظار عبر نقل مقرات لهذه الحكومة التي قولبت بالرفض في معاقل المعارضة إلى عفرين بهدف فرض السيطرة عليها أولاً والإشراف المباشر على عمليات التغير الديمغرافي والتهجير القسري لسكانها، إضافة لإضفاء نوعاً من الشرعية على احتلالها لعفرين.
أجرت شبكة “عفرين بوست” الإعلاميّة لقاءً مع السياسيّ السوريّ والرئيس المشترك السابق لمجلس سوريا الديمقراطية، السيد رياض درار، حول ماهية الحكومة المؤقتة وأجنداتها الحقيقية وأسباب الرفض الشعبيّ لها.
أسوأ من النظام السوريّ
في تقييمه للحكومة المؤقتة، قال “درار”: “الحكومة السوريّة المؤقتة في شمال غربي سوريا لم تلقَ القبول منذ بداية تشكيلها، وكان الناس مندفعين خلف مسار الثورة أملاً بأن تحقق منجزاً وتجمع السوريين حول مصالح مشتركة وتوحّدهم للتخلص من الاستبداد والظلم، لكن ما حصل أن هذه الحكومة تلقت دفعة من المال القطريّ ووظّفتها في الأجور والرواتب والأمور الشخصيّة ولم تقدم شيئاً للسوريين بل اندفعت وراء المناصب والمنافع”.
وأشار “درار” إلى أنّ الحكومة المؤقتة بعد رئاسة أحمد طعمة بدأت بالتراجع في الحكومة الثانية والثالثة، واليوم المسؤول الحالي بالحقيقة من أسوأ الأشخاص، إذ يتم تعيين المسؤولين في المناصب وفق مصالح شخصية لمنتفعين ومنافقين، وهناك توجّه لتحويل الحكومة إلى حكومة تركمانيّة بحتة (بالمعنى الكامل) وتطعيمها بالمنتفعين، وهذه الحكومة مرتهنة لتركيا ولم تقدم شيئاً للسوريين سواء في المخيمات أو خارجها ولا وجود لنشاط تنمويّ، ولا يستفيد الشعب من المساعدات بل تذهب لجهات محددة، بل العكس كل شيء هو لصالح الميليشيات التي تقدم بدورها المساعدات والإتاوات لهذه الحكومة، فكان بنتيجتها تكرار الاحتجاجات.
والتظاهرات والاحتجاجات تعبّر عن التذمّر من الحكومة والميليشيات ومن الخلفية السياسيّة الممثلة بالائتلاف، وتزامنت هذه التظاهرات مع التحول التركيّ إلى مسار التطبيع مع النظام السوري، لكنها قُمعت واُعتقل منظّموها، وقُتل البعض منهم، فهذه التظاهرات هي احتجاج على سوء الإدارة والتصرف والتناحر الفصائلي الذي ينعكس على الناس العاديين وعلى الأهداف التي ينشدونها لتحقيق التحرر الصحيح من كلّ الصور التي كانوا يعرفونها من زمن حكم النظام، وهذه الحكومة أسوأ إدارة وأقل نفعاً للناس، وأسوأ من النظام في دمشق، وكررت صورة الاستبداد بعناصر غير معروفة سابقاً، ولم تقم بأيّ عمل وطنيّ حقيقيّ، والناس باتوا يعبرون عن مواقفهم ضد هؤلاء الحاكمين الجدد، وفقاً لتعبيره.
بعض عناصر الكرد يتعاونون مع الحكومة المؤقتة
وعن محاولة تركيا تكريس بعض مؤسسات الحكومة المؤقتة في عفرين المحتلة، قال درار: ذلك ليس له إلا تفسير واحد وهوتغيير ديمغرافية عفرين وإسكان عناصر من خارج المنطقة فيها.
وأضاف: “رأينا طرد هذه الحكومة وعناصرها السياسيّة من مناطق الباب وإعزاز، لأن هؤلاء أكثر قدرة على التحكم بقرارهم من الأخوة الكرد في عفرين المحتلة الذين يعانون الأمرين، ويتحكم بهم المسلحون الذين يسرقون زيتونهم ويسلبونهم كل شيء، وللأسف تتعاون بعض العناصر الكردية مع هذه الحكومة ومع الائتلاف ويبررون سلوكياتهم من أجل التصرف كما يريدون بمناطق عفرين الكردية، وفيهم أعضاء المجلس الوطنيّ الكرديّ الذين يبررون وجود مؤسسات الحكومة المؤقتة وترسيخها وتشجيع مسار الانتهاكات وزيادتها، لعدم قدرتهم ولو عبر بيانات إدانة هذه التصرفات المسيئة للمواطنين الموجودين في عفرين، وأيضاً لتعاونهم ضد أبناء جلدتهم وبالتالي يعطون الشرعيّة لهذه الحكومة وعناصرها”.
وحول تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الذي حمّل تركيا المسؤولية عن الجرائم المرتكبة في عفرين، أكّد “درار” أنّتركيا لا يمكنها التبرؤ من الجرائم التي يرتكبها مسلحو الميليشيات ومؤسسات الحكومة المؤقتة والتي تأتمر بتعليمات الأتراك، لأنّ عفرين محتلة من قبل التركي وقد ساعدتها فصائل محسوبة على السوريين، وكل الانتهاكات تحدث بعلم السلطات التركيّة وهي تشرف أحياناً على بعض هذه الانتهاكات.
وتابع: سعي أنقرة إلى تحميل الحكومة المؤقتة المسؤولية عن الانتهاكات أمر معروف وموصوف، ولكن لا يُجدي تبرؤها من الائتلاف وتصرفاته، إذ لا أحد يستطيع التحرك دون علم الأتراك، ولكن التبعية لدرجة الخيانة لهؤلاء العناصر المحسوبين على السوريين تتطلب المحاسبة والمحاكمة والإدانة أيضاً.
استبداد قوى الأمر الواقع
وفيما يتصل بحالة الفوضى التي تعم مناطق شمال غربي سوريا والرفض الشعبيّ لسلطات الأمر الواقع فيها استبعد “درار” تغيير الواقع لأنّ الحكومة المؤقتة وحكومة الجولاني تتحكمان بمصائر الناس.
وقارن “الناس في شمالي وشرقي سوريا يعيشون حالة مستقرة ومنسجمة وإدارات تعمل دائماً على استقرار الوضع، ولكن في شمال غربي سوريا حيث الحكومة المؤقتة التي تشكلت سابقاً في عينتاب واليوم تقيم بعض المؤسسات في مناطق عفرين وإعزاز والباب ومارع، وهناك حكومة الإنقاذ في إدلب والتابعة للجولاني، وكلتا الحكومتين تضيقان على الناس وتتحكمان بمصائرهم، وكل محاولات الانتفاضات والاحتجاجات تُقمع بالقوة وتُواجه بقسوة، وسجون المنطقة مفتوحة لأبناء الشعب السوري هناك، ويُعاملون فيها بأشد العقوبات والعذابات، وكل التظاهرات مؤقتة ومحدودة ولا يمكنها الاستمرار، وبالتالي لا تغيير للواقع، لأنّ قوى الأمر الواقع الحالية متحكمة جداً وتتصرف بعنجهية وباستعلاء، ولا تعنيها الإصابات بالناس المتظاهرين والمحتجين ولا تهتم بمصائرهم ويعتبرونهم فقط أدوات، وبالتالي لا أعتقد أنّه سيكون هناك تغيير من الداخل بسبب استبداد قوى الأمر الواقع”.
ويرى رياض درار أنّ سيناريوهات التغيير المحتملة في تلك المناطق، تحتاج تحضيراتٍ سياسيةً وعناصر منظمة يمكنها التواصل مع القوى السياسية المعارضة والصادقة خارج هذه المناطق وتتلقى منهم الدعم المناسب، كما تستطيع مناشدة الدول والقوى المتدخلة في سوريا التي تهتم بمساعدة الجزء الأعظم من الشعب المتضرر لمواجهة القوى التي تعمل لصالحها فقط والغاصبة لمسار الثورة السوريّة ومسار الحل السوريّ، والعمل لصالح الحل الناجع في سوريا.
المصدر:عفرين بوست