مقالات

حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره في ضوء الشرعية الدولية

مشاركة

خالد حسو

إنّ حق تقرير المصير ليس بندًا يذبل على صفحات المواثيق، بل هو الحق الذي يهزّ أركان الاستبداد ويطيح بعروشٍ بُنيت على الظلم. هذا الحق هو صرخة الشعوب في وجه القهر، وهو القانون الذي لم تصنعه الأمم المتحدة بقدر ما صنعته دماء الشعوب المستعبدة على مدى قرون.والشعب الكوردي، الذي يعدّ اليوم أكبر أمة بلا دولة، يقف في قلب هذا الحق. فمنذ تقسيم وطنه “كوردستان” عقب معاهدة لوزان 1923، يعيش الكورد قرنًا كاملًا من الإنكار، بعد أن شُطبت من التاريخ وعود معاهدة سيفر 1920 التي اعترفت بإمكان إقامة دولة كوردية مستقلة.الكورد: قرن من الإنكار والمقاومةلم يكن القرن الماضي سوى سجلٍ من النضالات الكوردية: • جمهورية مهاباد 1946: أول تجربة دولة كوردية حديثة، سقطت تحت ضغط التحالفات الإقليمية والدولية. • ثورات العراق: من ثورة الشيخ محمود الحفيد إلى ثورة البارزاني، وصولًا إلى انتفاضة 1991 التي أرست أول حكم ذاتي كوردي معترف به. • مجازر الأنفال وحلبجة 1988: حيث استخدم النظام العراقي السلاح الكيماوي ضد شعب أعزل، في جريمة إبادة جماعية موثقة. • تركيا: ثورات الشيخ سعيد وديرسم، مرورًا بعقود من القمع وطمس اللغة والهوية. • سوريا: الإحصاء الاستثنائي 1962 الذي جرّد مئات الآلاف من الجنسية، ومشروع “الحزام العربي” الذي سعى لاقتلاع الكورد من أرضهم. • إيران: سحق جمهورية مهاباد وإخماد أي محاولة للحكم الذاتي بالحديد والنار.هذه ليست أحداثًا متفرقة؛ إنها ملحمة متصلة من الحرمان والمقاومة، تثبت أنّ الشعب الكوردي لم يستسلم يومًا، وأنّ صوته في طلب الحرية لم يخفت رغم محاولات الطمس.الشرعية الدولية: الكلمة العليا للقانون • ميثاق الأمم المتحدة (1945): نصّ في مادته الأولى على “احترام مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب”. • الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948): وضع أساسًا عالميًا لحرية الشعوب وكرامة الأفراد. • القرار 1514 (1960): أعلن بوضوح أنّ الاستعمار “جريمة ضد العدالة والإنسانية”، وأكّد أنّ للشعوب الحق غير القابل للتصرف في الاستقلال. • القرار 1541 (1960): حدّد أنّ تقرير المصير لا يتحقق إلا بالاستقلال أو الاتحاد الطوعي الحر، لا بالفرض ولا بالقسر.فإذا كانت هذه الشرعية قد أخرجت شعوبًا من ظلمات الاستعمار، فإنّ إنكارها للكورد هو فضيحة كبرى للنظام الدولي، وإقرار ضمني بأنّ العدالة لا تزال تُدار بميزان المصالح لا بميزان الحق.شواهد من العالم: لماذا للكورد الحق كما للآخرين؟ • تيمور الشرقية (2002): بعد عقود من الاحتلال الإندونيسي، انتزعت استقلالها عبر استفتاء أممي، لتصبح نموذجًا لتطبيق حق تقرير المصير. • كوسوفو (2008): رغم اعتراض دولٍ كبرى، أُعلنت استقلالها واعترفت بها أكثر من مئة دولة، لأنها حققت شرط تقرير المصير. • جنوب السودان (2011): حصل على استقلاله عبر استفتاء رعته الأمم المتحدة بعد عقود من الحرب الأهلية.إذا كانت هذه الشعوب قد نالت استقلالها رغم صغرها السكاني أو ضعفها الاقتصادي، فكيف يُحرم الشعب الكوردي، الذي يزيد تعداده عن 40 مليون نسمة، من الحق ذاته؟التحديات أمام الكورد • تقسيم قسري جعل كوردستان موزعة بين أربع دول، لكل منها سياسات قمعية متباينة لكن متفقة في إنكار الهوية الكوردية. • التدخلات الدولية التي حوّلت القضية الكوردية إلى ورقة مساومة في صراعات النفوذ. • الصمت الأممي الذي يساوي بين الجلاد والضحية، ويترك الكورد يواجهون قدرهم وحدهم.الخلاصة: الحق الذي لا يُمحىإنّ حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره ليس أمنيةً شاعرية ولا مطلبًا سياسياً مؤقتًا؛ إنه امتحان لمصداقية القانون الدولي كله. فإذا كان هذا الحق قد حرر الهند وتيمور وكوسوفو وجنوب السودان، فحرمان الكورد منه هو وصمة عار على جبين الشرعية الدولية.الشعب الكوردي لا يطلب منّة ولا صدقة؛ إنه يطالب بحقه الأصيل في أن يكون شعبًا له دولته وعلمه وحدوده. هذا الحق الذي لا يسقط بالتقادم، ولا يُلغى بالتآمر، ولا يُمحى بالدم.إنها الحقيقة التي تهزّ العروش: أمة بحجم الكورد، بتاريخها وتضحياتها، لا يمكن أن تبقى منفية خارج خرائط العالم إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى