مجموعمقالات

الكورد بين الغياب والوجود

مشاركة

خالد حسو

يُعد الصراع في سوريا من أكثر النزاعات تعقيدًا وإثارة للجدل في الشرق الأوسط، ليس فقط لأنه يتشابك مع مصالح القوى الإقليمية والدولية، بل لأنه يختبر جوهر الدولة وهويتها، ويكشف هشاشة البنى السياسية أمام صعود مطالب الشعوب.

في هذا المشهد المضطرب، يقف الشعب الكوردي كوجود صامت لكنه لا ينكسر، يتشبث بحقوقه القومية والإنسانية، يصر على الاعتراف به كشعب له تاريخ يمتد في عمق الجغرافيا السورية، لا مجرد بقعة على خريطة سياسية.

ومع ذلك، يجد نفسه محاصرًا بين سلطة مركزية في دمشق لا تعرف إلا لغة الحسم والسيطرة، وبين محيط إقليمي مشحون: تركيا التي تراه تهديدًا لأمنها القومي، إيران التي تراهن على نفوذها في إعادة رسم المعادلات، والولايات المتحدة التي تتأرجح بين دعم رمزي ومصالح استراتيجية. كل ذلك يجعل الكورد رهائن للسياسة الكبرى، أسرى لمعادلات لا تعرف العدالة ولا الاعتراف، يحاولون في كل خطوة أن يحافظوا على وجودهم، على هويتهم، وعلى الحق في أن يكون لهم صوت في مستقبل بلادهم.

هنا، في قلب هذا الصراع المزدوج، لا تُقاس القوة بالأسلحة فقط، بل بالقدرة على الصمود، على التفاوض، وعلى المطالبة بالحقوق وسط صخب القوى التي تحيط بهم، وكأنهم يحاولون النجاة في عالم لا يعرف إلا الحساب والمصلحة، ولا يعترف إلا بالقوة أسباب الصراع.

1 التهميش التاريخي: تاريخ الكورد في سوريا هو تاريخ منسي، تاريخ يُكتب بالغياب وبصمت القمع، تاريخ تُسحق فيه الأصوات قبل أن تُسمع، وتُمحى الحقوق قبل أن تُعترف. صرخاتهم القومية كانت محجوبة خلف جدران النسيان، محاصرة بين قوانين لا تعرفهم ودساتير تتجاهل وجودهم، وكأن الدولة نفسها أرادت أن تصنع منهم شعبًا بلا تاريخ، بلا صوت، بلا حضور على خارطة السياسة والثقافة.

كل محاولة للظهور كانت تُقابل بالقمع، وبإجراءات قسرية، وبرفض صارم، حتى أصبح المطالب الكوردية جزءًا من رواية أكبر: رواية الغياب القسري، رواية تُكتب على حساب الهوية، على حساب الجذور، وعلى حساب الحق في الوجود.

هذا التهميش ليس مجرد فصل عابر، بل هو إرث متراكم من الإقصاء، من الحرمان، ومن الانكسار، تراكم على الأجيال، ليجد الكورد أنفسهم اليوم يقاتلون من أجل الاعتراف، ليس فقط كأفراد، بل كشعب كامل، يطالب بحق أن يُسجل اسمه على صفحات التاريخ، ويثبت أن وجوده لم يكن صدفة، وأن مطالبه للعدالة والكرامة ليست ترفًا سياسيًا، بل حق مكتسب يتجاوز الحدود والدساتير المؤقتة، حق يصر على أن يُسمع ويُحتفل به، رغم كل محاولات الطمس والنسيان.

2. الصراع على اللامركزية والنظام الفيدرالي: مطالب الكورد بنظام حكم لامركزي ليست مجرد رغبة سياسية عابرة، بل هي إعلان وجود، وشهادة على تاريخٍ طويل من الإقصاء، وصراع من أجل الاعتراف بالهوية القومية في قلب سوريا. إنها مطالبة بكيان يضمن لهم الحق في تقرير مصيرهم ضمن وطنهم، رفض للتهميش المستمر، ورفض لتحويل الشعب إلى رقم على خارطة الدولة.

ومع ذلك، ترى السلطة المركزية في دمشق هذه المطالب تهديدًا لوحدة الدولة، فتتعامل معها كعدو، كتحرك يهدد السيادة والهيبة، فتتحول كل خطوة كوردية نحو الحكم الذاتي إلى ساحة معركة سياسية مفتوحة، حيث تتشابك العدالة مع القوة، والحق مع السلطة، والإرادة الشعبية مع الهيمنة المركزية. إن الصراع على اللامركزية ليس مجرد خلاف إداري أو لعبة سياسية، بل هو صراع وجودي، معركة على الحق في الوجود السياسي والثقافي والاجتماعي. كل مطلب كوردي باللامركزية يصبح اختبارًا لمرونة الدولة، ولقدرة الشعب على الصمود، ولإرادة مجتمع لا يقبل أن يُمحى من التاريخ.

السلطة المركزية ترى أي توزيع للسلطة كتهديد مباشر لوحدتها، بينما يرى الكورد في كل رفض فرصة جديدة للتمسك بحقوقهم، فتتخذ المطالبة باللامركزية طابعًا رمزيًا وعمليًا في الوقت نفسه، معركة بين إرادة شعب يصر على الاعتراف بهوية لا تموت وبين سلطة ترى في أي حق من الحقوق تحديًا لسيادتها، لتصبح العدالة السياسية نفسها رهينة لقوة الدولة وإرادة التاريخ المختطف التدخلات الإقليمية والدولية: لا يمكن أن تُفهم القضية الكوردية في سوريا بمعزل عن خيوط السياسة الإقليمية والدولية التي تشبكت مع تاريخهم وصراعهم المستمر على البقاء.

تركيا ترى في أي تقدم كردي تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، فتتصرف بكل الوسائل السياسية والعسكرية لإجهاض أي مشروع كردي على الأرض، وتضع العراقيل أمام أي خطوة نحو الاعتراف أو الحكم الذاتي. في الوقت نفسه، تنشغل الولايات المتحدة بمصالحها وحلفائها في المنطقة، فتقدم دعمًا محدودًا، مؤقتًا، أو انتقائيًا، يظل مرهونًا بتحولات الحسابات الاستراتيجية لا بالعدالة أو الحقوق الإنسانية. أما إيران، فتسعى لتوسيع نفوذها في سوريا عبر إعادة رسم المعادلات، مستغلة الصراع الكوردي كأداة ضغط على دمشق وعلى القوى الأخرى، لتعزيز حضورها الإقليمي.

كل هذه التدخلات تجعل أي حل كردي مقترح رهينًا لمعادلات خارجية لا تعرف العدالة، حيث تصبح إرادة الشعب الكردي في تقرير مصيره مسلوبًا جزئيًا أو كليًا، وأحيانًا أداة لتصفية حسابات القوى الكبرى. الكورد إذن يجدون أنفسهم في مفترق طرق، محاصرين بين إرادتهم في الاعتراف والسيادة الذاتية، وبين أجندات إقليمية ودولية تحرك خيوط السياسة كما تشاء، وتفرض شروطها على الأرض، فتتحول مطالبتهم بالحقوق إلى لعبة قوى كبيرة، صراع وجود يُدار بعيدًا عن عيونهم، لكنه يحدد مستقبلهم وحقهم في الحياة الحرة. التحديات الراهنة أمام الكورد. الانقسام الداخلي: البيت الكوردي في سوريا مشقوق، كسفينة تصارع أمواج العواصف دون دفة واحدة تقودها.

القوى السياسية الكوردية منقسمة على نفسها، كل فصيل يحمل رؤيته، كل جناح يسعى لمصلحته، بينما الشعب يقف أسير هذا التمزق، عاجزًا عن توحيد صوته، عاجزًا عن حماية مصالحه، عاجزًا عن الدفاع عن وجوده التاريخي. هذا الانقسام ليس مجرد خلاف سياسي عابر، بل هو شطر في المصير، هو تكسير لإرادة شعب، محاولة لإخفاء حضوره من قبل أولئك الذين يستفيدون من تشتته. في كل مفاوضة، وفي كل طاولة حوار، يظهر هذا الانقسام كحائط صلد يحول دون تحقيق أي تقدم، يمنح الخصوم فرصة لنسج مصالحهم على خطوط التمزق، ويحول أي حق كوردي مشروع إلى لعبة قوة تُدار بعيدًا عن إرادة الشعب نفسه.

في ظل هذا الانقسام، تصبح الوحدة الكوردية ليس خيارًا سياسيًا فحسب، بل شرطًا وجوديًا، مفتاحًا للصمود، وعاملاً حاسمًا في صياغة أي مستقبل. فإذا فشل الكورد في تجاوز هذا الانقسام، فإنهم سيظلّون رهائن للتاريخ، محاصرين بين إرادتهم في الاعتراف وبين أيدٍ خارجية تسعى لتفكيك حضورهم على الأرض، ويمتد أثر هذا الانقسام ليصبح أكبر تحدٍ يواجه الكورد اليوم، تحديًا يختبر قوتهم، إرادتهم، وقدرتهم على تحويل مطالبهم من صوت متفرق إلى قوة حقيقية لا يُستهان بها.

2. الضغوطات التركية: تركيا تنظر إلى أي تقدم كوردي في سوريا بعين الحذر والعداء، كأن كل خطوة نحو الاعتراف أو الحكم الذاتي تهدد قلب أمنها القومي. لا يقتصر هذا التهديد على السياسة، بل يمتد إلى الأرض، إلى كل شبر يحاول الكورد أن يحولوه إلى وجود فعلي لهم، وإلى كل فكرة أو مشروع يسعى لإقرار الحقوق السياسية أو الثقافية.

تركيا تحرك كل أدواتها، العسكرية والدبلوماسية والسياسية، لتفكيك أي تنظيم كردي، لتقويض أي مشروع مستقل، ولتثبيت إرادتها على الأرض كما لو أن وجود الكورد على الخريطة هو خطأ يجب تصحيحه بالقوة.

كل خطوة كوردية تُراقب، وكل تحرك يُقابل بإجراءات ردعية صارمة، من التهديد المباشر بالقصف والحصار إلى الضغط الدبلوماسي على القوى الإقليمية والدولية لتقويض أي دعم محتمل. القضية الكوردية، في نظر تركيا، ليست مجرد مسألة حقوق، بل مسألة وجودية: وجود الكورد يعني تهديدًا لأمنها، وإرادة مستقلة لهم تعني حدودًا تتجاوز سيطرتها. وهكذا تصبح الأرض التي يعيش عليها الكورد مسرحًا لصراع إقليمي أكبر، وميدانًا لا يعرف المجاملات، حيث يختبر الشعب الكوردي قدرته على الصمود، على المقاومة، وعلى الحفاظ على كيانه في مواجهة قوة إقليمية ترى في حقهم في الوجود تحديًا وجوديًا لا يمكن التساهل معه.

3. ضعف الدعم الدولي: الدعم الدولي للكورد ليس أكثر من سراب، يلوح بعيدًا عن متناول اليد، يسير خلفه الشعب الكوردي كمن يلاحق ظل الشمس في صحراء مقفرة. القوى الكبرى لا تنظر إليهم كشعب له حق في الوجود أو تاريخ له جذور، بل كأوراق في لعبة مصالحها العابرة للقارات، حساباتها الاستراتيجية أهم من أي عدالة أو حق.

كل وعد دولي مشروط، كل دعم هش، كل التزام مؤجل، وكأن الإرادة الكوردية مجرد عنصر يمكن تدويره بحسب الحاجة، بعيدًا عن أي اعتبار للكرامة أو المستقبل. الشعب الكوردي يقف في مواجهة مزدوجة: صراعات داخلية تهدد وحدة البيت الكردي، وصراعات خارجية تضع وجوده على المحك.

أي مشروع للحكم الذاتي، أي مطلب للحقوق، يصبح اختبارًا صارمًا للصمود، مواجهة للرهانات الدولية التي تقيم الخطوات الكوردية ليس وفق حقهم أو عدلهم، بل وفق مصالحها وحدها. الدعم الدولي ليس سندًا، بل ظلٌ هش، ينعكس على وجودهم كضوء باهت على جدران صحراء موحشة، ملموس لكنه بلا قوة حقيقية.

هكذا تصبح كل خطوة كردية معركة على البقاء، كل حلم بالاعتراف قتالًا بين إرادة شعب صامد وبين عالم لا يعرف سوى المصلحة والقوة، عالم يمكن أن يتخلى عنك في اللحظة التي تحتاج فيها إلى أكبر دعم. الحق يصبح رهينة، العدالة سلعة، والوجود تحديًا مستمرًا، حيث يختبر الشعب الكوردي قدرته على تحويل الظل الهش للدعم الدولي إلى قوة، قدرته على أن يكون صامدًا، حاضرًا، لا محيد له، رغم كل محاولات الطمس والإهمال الدولي.

سبل الحل الممكنة توحيد البيت الكوردي: القوة تبدأ من الداخل، والنجاة من الاضطراب لا تأتي إلا بتوحيد البيت الكردي سياسيًا وفكريًا وميدانيًا. كل انقسام، كل صوت متفرق، كل خلاف داخلي هو جدار أمام تحقيق الحقوق، هو فرصة للخصوم لتفكيك الهوية، لإضعاف الموقف، لتبقى المطالب مجرد صدى يتلاشى في فضاء السياسة.

الوحدة ليست خيارًا، بل واجب وجودي، استراتيجية حتمية للبقاء ولتحويل الإرادة إلى فعل. عندما تتوحد القوى الكوردية، يتحول صوت الشعب من همسات متناثرة إلى خطاب موحد، صلب، لا يمكن تجاهله، قادر على فرض شروطه، وفتح مساحات جديدة على الأرض، ومواجهة كل محاولة لإلغاء الحقوق أو تصغير الحضور. الوحدة هي السلاح والدرع معًا: سلاح لإعادة بناء القوة، ودرع يحمي الهوية من التمزق، ومفتاح لفرض الاعتراف بحقوق الشعب الكردي.

إن توحيد البيت الكوردي ليس مجرد اتفاقات أو بيانات، بل هو بناء إرادة جماعية صلبة، يترجم الحلم بالحقوق إلى واقع ملموس، ويخلق قدرة تفاوضية حقيقية، يجعل من الكورد طرفًا لا يُمكن تجاوزه، ويحول كل مطامع الخارج والداخل إلى معادلات تُحسب بحساب إرادتهم الموحدة.

الوحدة الكردية هي البداية، البداية الحقيقية لأي انتصار، البداية التي تشعل الطريق نحو تحقيق الحقوق على الأرض، وإعادة رسم المستقبل وفق إرادة الشعب نفسه، لا وفق مصالح الآخرين

2الحوار مع دمشق: الحوار مع دمشق ليس خيارًا، بل صراع وجودي، اختبار الإرادة، ساحة لإثبات أن الكورد ليسوا ضيوفًا على التاريخ أو على الأرض التي ولدوا فيها. لا وساطة، لا تراجع، ولا تنازل عن الحقوق المشروعة. أي حوار حقيقي يجب أن يكون مباشرًا، بلا وسطاء يخفون مصالحهم وراء ستار المصالح الدولية، بلا ضغط خارجي يختزل الحق في لعبة مصالح القوى الكبرى.

الكورد مطالبون بالجلوس على الطاولة ليس للطلب أو التسول، بل لإعادة صياغة واقعهم، لإثبات وجودهم، ولتحويل المطالب الحقوقية إلى قوة ملموسة على الأرض، قوة لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها. هذا الحوار هو معركة ذكاء وإرادة قبل أن يكون كلمات على ورق، هو اختبار لصمودهم، لقدرتهم على فرض شروطهم، على تحويل المطالب القومية من شعارات متناثرة إلى خطاب سياسي موحد، صلب، يحكمه حضورهم، لا إرادة الآخرين.

عبر هذا الحوار يمكن للكرد تحويل سنوات التهميش إلى تفاهم استراتيجي، يضمن حقوقهم، يحمي هويتهم، ويحول أي انقسام داخلي إلى قوة. إنه الجسر الذي يربط بين الإرادة والتاريخ، بين الهوية والمستقبل، بين الحق والسيادة.

الحوار مع دمشق هو السلاح الاستراتيجي الذي يخلق الكورد كطرف لا يُمكن تجاوزه، ويحول أي محاولة لإقصائهم إلى مواجهة مباشرة مع إرادة شعب ثابتة، صلبة، لا تنكسر أمام التحديات. هو الطريق الوحيد لتحويل الصراع التاريخي إلى شراكة سياسية، وإلى وجود ملموس يفرض الاحترام، ويثبت أن أي خطوة نحو الحقوق ليست طلبًا، بل فرض وجود على الأرض، إرادة لا تعرف المساومة، وحقيقة لا يمكن لأحد تجاهلهابناء دعم دولي مستدام: أي دعم دولي للكورد لا يمكن أن يكون مؤقتًا، هشًا، أو رهينًا لمصالح القوى العابرة للقارات.

كل دعم ضعيف أو مشروط هو عبء ثقيل، يضع الحقوق التاريخية للشعب الكوردي على المحك، ويحوّل أي خطوة نحو الاعتراف أو الحكم الذاتي إلى مقامرة مع العالم، حيث تتقاطع مصالح الكبار على حساب الوجود. الدعم الحقيقي يجب أن يُبنى على صلب العدالة، على الحق الثابت، وعلى إرادة سياسية حقيقية تحمي الهوية والوجود، وتحوّل المطالب الحقوقية من شعارات إلى قوة ملموسة لا يمكن تجاهلها.

إن بناء هذا الدعم هو معركة استراتيجية مستمرة، اختبار لقدرة الكورد على تحويل الظل الهش للمصالح الدولية إلى قوة صلبة، قادرة على الصمود أمام الضغوط التركية والإقليمية، وقادرة على فرض الإرادة السياسية على الأرض. الدعم المستدام ليس رفاهية، بل سلاح وجودي، درع يحمي الحقوق، وجسر يربط بين الإرادة والواقع، بين الحلم والوجود، بين التاريخ والحق.

إنه القوة التي تجعل من المطالب القومية حقيقة، ومن الحلم بالاعتراف مشروعًا ملموسًا، وتحوّل أي محاولة للإقصاء أو التهميش إلى فشل ذريع أمام إرادة شعب لا يعرف التراجع. الدعم الدولي المستدام هو التأكيد على أن الكورد ليسوا مراقبين في لعبة القوى الكبرى، بل طرف صلب، حاضر بقوة، لا يمكن تجاوزه، قادر على فرض شروطه، وصامد في مواجهة كل مؤامرة تحاول تفكيك وجوده أو إلغاء حقوقه التاريخية.

خاتمة: القضية الكوردية في سوريا ليست نزاعًا عابرًا على الأرض أو السلطة، بل هي صراع وجودي عميق، معركة من أجل الاعتراف، من أجل الحق في الوجود، ومن أجل مستقبل يُكتب فيه الشعب الكردي كفاعل سياسي واجتماعي حقيقي، لا كظل هامشي على هامش التاريخ، ولا كجسد صامت على هامش الأحداث.

هذا الصراع يعلمنا أن الحقوق لا تُنتزع بالانتظار، ولا تُعطى بالمجاملات، بل تُفرض بإرادة صلبة، بتنظيم واعٍ، وبثبات لا يعرف التراجع. توحيد المواقف داخل البيت الكردي ليس خيارًا، بل هو معركة صعبة، حائط الصمود الأول، وقاعدة القوة الحقيقية التي تحول الأصوات المتفرقة إلى خطاب موحد، صلب، قادر على فرض شروطه وإحداث تأثير ملموس على الأرض.

الحوار البناء مع السلطة المركزية هو الساحة التي يتحقق فيها الاعتراف، حيث يمكن تحويل سنوات الانقسام والغياب إلى تفاهم استراتيجي، يضمن الحقوق ويخلق مشاركة فعلية وحقيقية، بعيدًا عن الضغوط الخارجية أو الحسابات العابرة للقوى الإقليمية. إنه السبيل الوحيد الذي يجعل من وجود الكرد قوة حقيقية على الأرض، لا مجرد حضور رمزي. أما الدعم الدولي الصادق والمستدام، فهو العمود الثاني الذي يحمي الحقوق ويحوّلها إلى واقع ملموس.

الدعم الحقيقي ليس شعارات فارغة، ولا وعودًا موسمية، بل قوة راسخة تفرض الاعتراف، تمنح الشعب الكردي القدرة على مواجهة الضغوط الإقليمية، وتؤكد أن الكرد ليسوا مراقبين، بل طرف مؤثر في صياغة المستقبل السياسي والاجتماعي لسوريا والمنطقة.

مع توحيد البيت الكزردي، والحوار المبني على العدالة والاعتراف، والدعم الدولي المستدام والصادق، يمكن لهذا الصراع الطويل والمعقد أن يتحول إلى نموذج عالمي لحل النزاعات القومية، بعيدًا عن الهيمنة والتهميش، ونحو مستقبل يُكتب فيه الكورد تاريخهم بأيديهم، بقوة لا تلين، وإرادة لا تقهر، ويصبح وجودهم وحقيقتهم السياسية والاجتماعية علامة ثابتة لا تُمحى، وشهادة على أن الحقوق تُفرض بالإرادة، لا بالانتظار، وأن الهوية لا تُمحى بالقوة، بل تُصان بالإصرار والثبات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى