كاجين أحمد ـ xeber24.net
انتشرت قصة الدكتورة رهام بسام عابدين وزملاءها على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، وأثارت جدلاً واسعا في الأوساط السورية التي كانت تأمل خيراً بسقوط نظام الاسد وخلاص البلد من حقبة الاستبداد والظلم، إلا أن ما تشهدها البلاد على يد الإدارة الجديدة لا تبشر بالخير.
وللاطلاع على تفاصيل القصة، ننشر لكم ما كتبتها الدكتورة رهام على حسابها في مواقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” وهي كالتالي:
أنا الدكتورة رهام بسام عابدين، أضع ما سأقول أمام الرأي العام بكل مسؤولية، عمّا حدث في مدينة جبلة من ممارسات خطيرة تهدد السلم الأهلي وتنتهك كرامات الناس، تحت ذريعة “الدين” و”الغيرة”..
في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت في المدينة ممارسات غريبة و خانقة.. عناصر من “الأمن العام” وبعض الشباب ذوي التوجه الإسلامي بدؤوا بمهاجمة الشباب و الفتيات في الشوارع و الحدائق.. لم يكن الأمر مجرد “نصيحة” دينية، بل تطفل وقح على اللباس و السلوكيات، و تهجم لفظي صريح يمس الكرامة و الشرف، بل و توقيف البعض لمجرد تواجدهم معاً دون “روابط شرعية”.. و في مدينة كجبلة، حيث يختلط النسيج الاجتماعي بين طوائف و أديان متعددة، كنا ندرك خطورة هذا التوجه المتشدد على السلم الأهلي و التعايش..
لذلك، قررنا – أنا و زميلتي الأستاذة سوسن جانودي و الدكتور عبدالله عبود – التوجه إلى مكتب مدير المنطقة، الشيخ أمجد سلطان، لتقديم شكوى رسمية بتاريخ ٢٦ يونيو ٢٠٢٥، في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا.. كان الدكتور عبدالله قد نسق الموعد مسبقًا عبر معاون الشيخ..
عند وصولنا إلى المبنى، أُبلغنا أن الشيخ و معاونيه يؤدون صلاة الظهر، فانتظرنا بكل احترام حتى انتهت الصلاة.. لكن حين خرج الشيخ أمجد، مرّ بجانبنا دون أن يلتفت، لم يلقِ حتى السلام، بل طلب من عامل البوفيه تحضير فنجان قهوة وأغلق الباب خلفه..
تفاجأنا، لكننا التزمنا الصمت.. بعد ربع ساعة من الانتظار وقوفًا، بلا كراسٍ، دعانا المعاون للدخول..
دخلنا إلى مكتب فخم ومكيف، الشيخ يجلس خلف مكتبه يحتسي قهوته، نظر إلينا ببرود. ألقينا التحية وتقدمنا لمصافحته، لكنه رفض مصافحتي أنا وسوسن، واكتفى بمصافحة الدكتور عبدالله.. همست لزميلتي: “أهذا من جئنا لنشكو إليه؟”
طلب منا الحديث “بسرعة واختصار” لأن لديه التزامات كثيرة.. بدأتُ بشرح ما يجري: الاعتداء على الحريات، فرض أزياء دينية، تهجم لفظي، توقيفات لا مبرر لها. كان منشغلاً بهاتفه، لا يرفع عينيه، ولا يبدو مهتماً..
أكمل الدكتور عبدالله موضحًا أن ما يجري هو سابقة لم تحدث في تاريخ جبلة، وأن ما يُمارس هو تعدٍّ صارخ على القانون. و أضافت سوسن: “نحن نظن أننا في بلد يحكمه القانون، و ليس العُرف أو الأهواء”..
هنا انتفض الشيخ أمجد، غاضبًا:
“بس بس بس! جايين تشرحولي قانون؟! إحنا ببلد إسلامي، وهذه عادات أجدادنا.. الحجاب فرض، والتبرج كفر، وكل من يخالفها يعاقب!”
حاول الدكتور عبدالله التدخل، لكن الشيخ أشار له بالسكوت، و أكمل: “نحن فخورون بشبابنا الغيور على الدين.. ما يفعلونه يجب أن يعمم.. قريبًا، سيُعاقَب كل من لا يغلق محله وقت الصلاة.. أنتم من يجب أن يُحاسب، لأنكم تدافعون عن الفجور و العهر!”
لم نملك كلمة بعدها. كنا مصدومين، عاجزين عن الفهم.. استأذنا بالمغادرة، و غادرنا المكتب بخطوات ثقيلة… نحمل في قلوبنا خيبة أمل عميقة، ليس فقط في هذا المسؤول، بل في الحلم الذي كنا نعتقد أنه أصبح ممكنًا. أين ذهبت سوريا التي حلمنا بها؟ سوريا التعدد، و المساواة، و التعايش؟
سوريا التي من المفترض أن تُبنى على الحرية و الكرامة… لا تزال بعيدة.. بعيدة جداً..